رواتب الموظفين تعادل العجز المتوقع .. والاقتراض والضرائب بمُقدمة حلول التمويل

الإيرادات والنفقات المقدّرة في "ميزانية 2017" لا تتماشى مع الواقع الاقتصادي.. والخصخصة تتأرجح على وقع تأجيل التطبيق

 

 

توقعات بتوفير القطاع الخاص لـ13 ألف وظيفة هذا العام .. والوظائف الحكومية "محدودة"

تبعات الظروف الاقتصادية العالمية تؤثر على الوضع المحلي لسنوات مُقبلة

 

تحليل - نجلاء عبد العال

 

تُظهر الأرقام المُعلنة في الميزانية العامة للدولة لعام 2017، أنَّ الإيرادات والنفقات المقدرة ربما لا تتماشى مع الواقع الاقتصادي، في ظل استمرار اعتماد البلاد على عائدات النفط كنسبة أغلبية في الإيرادات، وتقليص طفيف في معدلات الإنفاق مقارنة بالعام الماضي.

ولا يبدو أنَّ ثمَّة اختلاف جوهري في آلية إعداد موازنة العام المالي الحالي، عمّا كانت عليه طريقة الإعداد في العام المنصرم، وهو ما يبدو جليًا في استهداف حد إنفاق عام لا يتجاوز 11.7 مليار ريال عماني، وهو ما يزيد 100 مليون ريال عن المقدر في ميزانية 2016، وذلك رغم أن وزارة المالية في بيانها الذي نشرته تزامناً مع صدور المرسوم السلطاني رقم (1/2017) تقر بأنَّ الإنفاق الفعلي سيقترب من 12.7 مليار ريال، بما يعني أن إجراءات التَّقشف والترشيد والتي كادت تتحول إلى انكماش في الإنفاق الحكومي، لم تنجح في الوصول إلى المُستهدف. وهذه الأرقام تؤكد أنَّ الحكومة ترى أنَّ بإمكانها أن تخفض من الإنفاق الحكومي بنسبة أكبر، فيما أنَّ نسبة التراجع في حجم الإنفاق وصلت إلى 17 في المئة عمَّا كانت عليه في 2016.

 

خسائر التقليص

ولم يمر تقليص الإنفاق بدون خسائر، فمع محاولات الحكومة لخفض الإنفاق العام، بدا أنَّ بعض مؤسسات الدولة أدركت أن المطلوب عدم الإنفاق إطلاقًا، حتى على ما ينبغي الإنفاق عليه، وهو ما أدى إلى وقوع بعض حالات توقف لعمل المقاولين في مشروعات عامة تنفذها الحكومة، وهذا ما انتبهت له الحكومة هذا العام باعتمادها نحو 1.2 مليار ريال عُماني للصرف على تنفيذ المشروعات الإنمائية، إذ قالت وزارة المالية إنّه "تم مراعاة الإبقاء على مستوى الصرف على المشاريع الإنمائية بدون تخفيض، وبما يضمن سير العمل وإكمال كافة المشاريع التي هي قيد التنفيذ دون أيّ توقف أو تأجيل وضمان سداد الدفعات المالية المُستحقة عن التعاقدات الحكومية في مواعيدها وبشكل منتظم".

ورغم إدراك المواطن- وخاصة العامل في الجهاز الإداري للدولة - لتداعيات تراجع الإيرادات وإجراءات التقشف الحكومية، إلا أنَّ الحكومة ورغم كل ما أثير حول هذا الخصوص، أعلنت التزامها بكل ريال من مستحقات موظفي الحكومة؛ إذ إنّ وزارة المالية لم تكتف بالتأكيد على أن العلاوة الدورية - بنسبة 3 في المئة سنوياً- ستصرف كما هو معتاد، بل إنها استدركت الأمر في اليوم التالي بإصدار منشور لجميع المؤسسات والهيئات العامة لاحتساب قيمة العلاوة الدورية في ميزانيتها بما فيها رواتب يناير، لتفادي احتمالية عدم احتساب إحدى الجهات للعلاوة ولو لشهر واحد.

وهذا القرار برغم أنَّه يقضي على مخاوف الموظفين الحكوميين ومن في حكمهم، إلا أنّه يتعارض مع بند آخر ركزت عليه وزارة المالية في بيانها وتركز عليه الحكومة في جميع خططها وإستراتيجيتها، وهو المشاركة الفعالة والكبيرة من القطاع العام في خطط التنمية مع استيعابه للمزيد من الأيدي العاملة الوطنية. وترى الحكومة أنَّ سوق العمل يعول عليه لتوفير فرص عمل إضافية في حدود 12 إلى 13 ألف فرصة خلال عام 2017، مع عدم قدرة الحكومة على توفير فرص عمل حكومية خلال العام، فبنص بيان وزارة المالية فإنّه "نظراً لظروف الموازنة التي تأثرت جراء الانخفاض الحاد في أسعار النفط، ونظراً لارتفاع حجم الرواتب ونسبتها من الإنفاق العام وتنامي عبئها المالي، فإنَّ فرص التوظيف في القطاع الحكومي خلال عام 2017 ستكون محدودة، والتعويل بشكل أساسي على شركات ومؤسسات القطاع الخاص لخلق فرص عمل للشباب العُماني، من خلال إقامة المشروعات الاستثمارية ذات العائد الاقتصادي؛ حيث تشير الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى ارتفاع عدد العُمانيين العاملين في القطاع الخاص إلى (222) ألف عامل في عام 2016 بزيادة قدرها (13) ألف عامل، مما يعني أن القطاع الخاص قد استطاع استيعاب هذا العدد وقياساً عليه فإنّه من المؤمل أن يوفر سوق العمل فرص عمل إضافية في حدود (12) إلى (13) ألف فرصة خلال عام 2017".

زيادة التحديات

هذه الرغبة وهذا التعويل على القطاع الخاص يجعل الحكومة تزيد من التحديات أمامه بإعلانها ميزانيات الرواتب وتشديدها على أنّ الرواتب الحكومية ميزانيتها 3.3 مليار ريال، لكنه لا يبدو عادلاً من وجهة نظر أصحاب الأعمال بالقطاع الخاص، خاصة عند بدء تطبيق العلاوة السنوية، فهو من ناحية حق للموظفين العمانيين في المساواة مع نظرائهم من موظفي الدولة، وإلا كان البديل عدم رضا وظيفي أو نزوح إلى الحكومة من القطاع الخاص. لكنه في الجهة المقابلة، يعني أن القطاع الخاص عليه أن يرفع ميزانية إنفاقه على رواتب المواطنين بنسبة 3 في المئة، وهو ما يمثل صعوبة إضافية أمام القطاع الخاص الذي واجه بالفعل عامين في منتهى الصعوبة مع تقليص الإنفاق، وربما ستستمر المعاناة.

وفيما تشير الحكومة بطرف خفي لبند الرواتب باعتباره من أكبر بنود إنفاقها الجاري، مذكرة بأنّ "بند رواتب ومستحقات الموظفين يمثل نسبة (75 في المئة) من إجمالي المصروفات الجارية"، فإنّ الرقم يحتاج إلى مراجعة وتدقيق، فمجموع موظفي الخدمة المدنية لا يصل على أقصى تقدير إلى 190 ألف موظف، والمالية في بيان الموازنة فصلت في بند مصروفات قطاع الدفاع والأمن وأنه يشمل بند رواتب العاملين فيه، وبالتالي يفترض أن تكون 3.3 مليار ريال، هي قيمة رواتب الموظفين في الجهات الحكومية المدنية، ومع الزيادة السنوية يفترض كذلك أن تكون الخدمات في الجهات الحكومية على أعلى مستوى، مقارنة بعدد المعاملات التي يؤديها كل موظف، مع سوق صغير مثل السلطنة. لذا يتبادر إلى الذهن عدة أسئلة منها: هل حقاً تحتاج الحكومة لهذا العدد من الموظفين في ظل خطط التحول الإلكتروني؟ ولماذا لا تفتح الحكومة باب التقاعد أمام الراغبين منهم؟ وسيبقى ذلك علامة استفهام، خاصة وأن المبلغ يزيد بالفعل عن حجم العجز المفترض بين الإنفاق والإيرادات.

العجز المتوقع

وفيما يتعلّق بالعجز المتوقع فإنّ بيان المالية لم يطرح أفكارًا خارج الصندوق، إذ إنّ أفكار تمويل العجز تذهب مباشرة إلى الاقتراض داخليًا وخارجياً، إضافة إلى التمويل من الاحتياطي. ورغم أنّه لا يعيب أي نظام اقتصادي أن يلجأ إلى سوق الدين، بل إن بعض الدول التي تعد من أكبر المقرضين في العالم تقترض من الخارج، فهذه القروض تمثل سياسات وخططا طويلة المدى ولها أحياناً أهداف حتى سياسية. لكن السلطنة التي استنكفت لسنوات طويلة اللجوء لتمويل مشروعات من جهات خارجية وبفوائد ضئيلة للغاية، تلجأ الآن للسير على هذا الطريق لجوء المضطر، وهو ما يمنح المُقرض الفرصة لفرض أقصى استفادة عبر الفوائد.

وتظهر تبعات هذا اللجوء المفاجئ للتمويل عبر الاستدانة في تزايد سعر الفائدة التي تقدم بها القروض وأسعار الفائدة على السندات التي رغم أنها مازالت في حدود 5.25 في المئة، إلا أنها مع التراكم وصلت- كما تقول وزارة المالية- لمستويات غير مسبوقة. إذ إن عجز الموازنة التقديري وليس الفعلي يمثل نسبة 35 في المئة من الإيرادات العامة ونسبة 12 في المئة من الناتج المحلي. وقالت الوزارة: "ارتفاع العجز خلال الأعوام 2015 و2016 إلى مستويات عالية وغير مسبوقة أدى إلى ارتفاع جحم الدين العام للدولة وارتفاع نسبته إلى الناتج المحلي في نهاية عام 2016 إلى 29 في المئة، وبالتالي فإنّ معدل خدمة الدين سوف ترتفع تباعاً خلال السنوات القادمة".

ويبقى القول إنّ هذه السنوات المقبلة ملك لأجيال قادمة ينبغي أن يؤخذ في الحسبان ما سيكون عليه الوضع المالي حينها، وإذا كان التوجه الحكومي لتمويل العجز يذهب بالأساس إلى الاقتراض، فإن هذا يفسر البطء في إجراءات تخصيص الشركات الحكومية والتي وردت في الخطط الخمسية السابقة، وليس فقط في الخطة الخمسية الحالية. كما أنّ ما لم يشر إليه بيان المالية صراحة هو الجزء الذي يتعين على المواطن استيعابه، من أن هناك تبعات ستطال جميع المواطنين، بسبب الظروف الاقتصادية العالمية، وأن هذه الظروف قد تطول أكثر من المتوقع، لذلك فإنّ على الجميع أن يتأقلم معها ويتعامل بما يضمن إعلاء المصلحة العليا للدولة.

تعليق عبر الفيس بوك