القلق والطمأنينة.. في موازنة 2017.

 

 

د.عبدالله باحجاج

يبدو أنّ هناك من يدفع بطموحنا الاجتماعي في موازنة 2017 إلى حصره في البقاء على العلاوة السنوية، وجعلها قضية جدلية تثير الرأي العام، وتشغله عن الأهم، والأهم، استمرار اللاءات السابقة، (لا) للترقيات (لا) للتوظيف.. وكذلك زيادة الرسوم وفرض ضرائب جديدة، كضريبة القيمة المضافة، وقد وصفنا موازنة عام 2016 في مثل هذا اليوم بأنها موازنة عام الصدمة، صدمة انهيار الأسعار النفطية، وصدمة رفع الدعم وزيادة الرسوم على الخدمات ووقف تحسين المعيشة الاجتماعية.

 ويفترض أن يكون عام 2017 عام ما بعد امتصاص الصدمة، غير أنّه سيكون عام تعزيز الصدمة، فكل المؤشرات لا تبشر سوى بمضاعفة الرسوم وفرض ضرائب جديدة في ظل استمرار تجميد تطور معيشة المواطنين، فما أوجه الشبه والتلاقي بين عام مضى سريعا، وعام أتى؟ نعني من التساؤل الأخير، هل المعطيات التي بنيت عليها موازنة عام الصدمة 2016 هي نفسها تتكرر في عام 2017 أم هناك متغيرات إيجابية، ومن ثم ينبغي أن تنفتح عليها موازنة 2017 بحيث تكون هذه الموازنة بمثابة امتصاص الصدمة، وترسيخ خطوات الحقبة الجديدة المستدامة؟ من هذا التساؤل المركب والطويل، سوف نحاكم الموازنة الجديدة، وهنا نعيد الذاكرة إلى زمن إعداد موازنة عام 2016، ففيه تراجعت أسعار النفط إلى ما دون (30) دولارا للبرميل، وسارعت البنوك والصحف الأوربية والخبراء الغربيين إلى التحذير من أن يصل سعر البرميل تحت (10) دولارات، مثل صحيفة "تلغراف" البريطانية وبنك"ستاندرد شارترد" و"غولدمان ساكس" و "أر بي أس" و "مورغن ستانلي" مما أرعب كل الأنظمة البترولية، وجعلها تنصاع لأجندات صندوق النقد الدولي، وفي وقتها فقدت أسعار النفط أكثر من 70% من قيمتها منذ منتصف 2014، مما حمل المجتمع على مضض خيارات مؤلمة، فهل لا يزال هذا الوضع قائما الآن؟

الأسعار الآن عند (53) دولارا للبرميل، والتوقعات تشير إلى أنّها ستكون ما بين (55- 60) دولارا للنفط بعد ما توصلت الدول النفطية من داخل وخارج أوبك إلى اتفاق تثبيت الإنتاج من أجل تعزيز الأسعار النفطية، فلنركز هنا على الفارق السعري بين ما كان عليه سعر النفط تحديدا (28،88) دولار للبرميل وقت إعداد موازنة عام 2016، والآن في موازنة عام 2017، فماذا يعني؟ يعني أنّ المعطيات مختلفة شكلا ومضمونا، ويعني أنّ موازنة الدولة قد تعززت بسبب هذا الارتفاع النفطي، ويعني كذلك أننا قد تجاوزنا مخاوف الصدمة السعرية، فهل ينبغي أن يؤخذ ذلك كله بعين الاعتبار في موازنة 2017؟ وعلينا هنا أن نضيف كذلك أبعادا تعزيزية أخرى، ترجح طرحنا سالف الذكر، وهي العوائد المالية الجديدة التي تجنيها الحكومة نتيجة مجموعة سياسات مالية واقتصادية اتخذتها منذ عام 2016، كرفع رسوم الخدمات على المواطنين، ورفع الدعم عن الوقود الذي يرتفع بارتفاع أسعار النفط، والآن يحوم حول (190) بيسة للتر، وخفض الإنفاق العام بنسبة (10%)، وفي الموازنة الجديدة تقرر تخفيض بنسبة (5%)، وهذا يعني أنّ نسبة خفض الانفاق العام تبلغ (15%).

 

نخرج مما سبق، أن وضعنا الآن أفضل بكثير من العام السابق، وقد يلوّح البعض بالعجز المرتفع، فهل ينبغي أن نحمله المجتمع لوحده فقط؟ وهذا يجعلنا نفتح في المقابل بعض الملفات المهمة مثل إدارة ثروتنا النفطية والغازية، واستثماراتنا الخارجية، والشركات الحكومية، ومكاتب الاستشارات الأجنبية، والبرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي، وموازنة بعض الوزارات... إلخ، ومن ثم إعادة النظر فيها؛ إذا كان قد وصل بنا الوضع إلى اعتبار منح العلاوة السنوية في الموازنة الجديدة إنجازا للمجتمع، وإذا ما ظل الاستمرار في مثل تلكم اللاءات والسياسات المالية التي تثقل كاهل المجتمع، مستمرة ومتصاعدة في موازنة عام 2017، لأنّ لها تداعيات منظورة ومستقبلية على ثوابت أساسية، لا يمكن التفريط بها أبدًا، وقد أصبحت معلومة، وهي التي سيتوقف عليها نجاحنا في المستقبل.

 إذن، لماذا القلق؟ فكيف لو كان السعر دون (20) دولارا لا قدر الله؟ ما الذي يبعث الطمأنينة عند الحكومة إذا السعر النفطي لم يخرجها من مرحلة الصدمة حتى الآن؟ نلاحظ أن الخطاب الرسمي يركز على المستقبل، ويتضح ذلك جلياً في الرؤية 2040 وبرنامج التنوع الاقتصادي، لكن، ماذا عن الحاضر؟ لا يمكننا أن نبني المستقبل قفزًا فوق الحاضر، وذلك كأنّه كمن يبني بيتًا فوق رمال متحركة، فقاعدة مستقبلنا الناجح يكمن في الحفاظ على السلم الاجتماعي والأمن والاستقرار، فهل الموازنة الجديد ستأخذ بعين الاعتبار هذه البديهية أم أنّها ستقفز فوقها للسنة الثانية على التوالي؟ أعداد الباحثين تعج بهم الأسر، فتقديرات سابقة تحددهم ما بين (8، 9 %) من المواطنين، ولم تقدم الحكومة حتى الآن حلولا عملية لحل هذه المشكلة الخطيرة، جل تفكيرها الآن ينصب على الإنفاق العام من أجل تعزيز البنية التحتية للاقتصاد العماني، وهذا مطلب لا نقلل من شأنه، لكن في المقابل، ينبغي أن نولي قضية الباحثين الاهتمام نفسه في الموازنة الجديدة.

نقترح تشكيل فريق من خبراء ماليين واقتصاديين واجتماعيين وسياسيين لدراسة الموازنة الجديدة، وتقييم برنامجها الاجتماعي في ضوء تلكم المؤشرات الإيجابية، وإعداد برنامج للأولويات الاجتماعية خلال عام 2017 بصرف النظر عن الموارد المالية، ومن ثمّ البحث في كيفية تمويله من قبل الحكومة والقطاع الخاص؛ لأنّ ما كشفته موازنة عام 2016 من دور اجتماعي جديد للدولة يقلص من تدخلاتها الاجتماعية إلى المستويات المقلقة، وهذا لن يستقيم مع سياقات تطور المجتمع، وعلاقته التاريخية بدولته؛ من هنا يحتم الإسراع في إعداد برنامج الأولويات الاجتماعية وربطه بالتنمية الاجتماعية من حيث المفهوم الواسع في ضوء الإقبال الضعيف على انتخابات المجالس البلدية، وهو إقبال لا يعبّر عن الرضا الاجتماعي العام، من هنا ينبغي ربط برنامج الأولويات بمفهوم التنمية الشامل وقد حدد مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية في كوبنهاجن 1995 هدف التنمية الاجتماعية في تحسين وتعزيز نوعية الحياة للناس كافة، وهذا هدف يحتم انعتاقنا من المفهوم الضيّق للتنمية الاجتماعية عبر تغيير النظرة للسياسات الاجتماعية لتشمل أبعادا متعددة للتنمية، كتفعيل صلاحيّات المجلس الشورى والمجالس البلدية في التنمية والرقابة على وجه الخصوص، حيث تعد مثل هذه المؤسسات أهم ضمانات الحقوق، ودون ذلك إلى أين نسير بالبلاد؟!.