خلفان الطوقي
قبل أيام قليلة، غرَّد أحدُ الرُّؤساء التنفيذيين العُمانيين بتغريدة يُعلِن فيها عن بدء خدمات الشركة التي يرأسها بصفته رئيساً لمجلس إدارتها. تغريدة انتشرتْ بسرعة فائقة لعشرات الآلاف من متابعين الحساب، وأعاد المئات منهم إرسالها لتصل إلى عشرات الآلاف من متابعيهم، إضافة إلى وسائل التواصل اﻷخرى التي تفاعلتْ معها، أضف إلى ذلك مُعظم التعليقات اﻹيجابية التي تفاعلت مع هذه التغريدة، بَقِي أنْ نَعْرِف أنَّ هذا الرئيس التنفيذي هو من فئة الشباب.
هذه التغريدة القصيرة في كلماتها، لكنها مُؤثرة، ألهمتني التفكير مليًّا والكتابة عن دروس يُمكننا استنباطها من مثل هذه التغريدات، وسوف أذكرها تباعا.. أولها: أهمية التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في الترويج والتفاعل المجتمعي، ثانيا: الفرق بين المسؤول التقليدي والمسؤول العصري، ثالثا: كَسْر الحواجز النفسية للانطلاق واﻹبداع.
وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا تتغير بشكل لحظي، وستغير شكل الحياة اليومية لنا شئنا أما أبينا، وعلى المسؤول ومُتخذ القرار أن يُقر بأهمية ذلك، بل ويؤقلم نفسه على تطبيق هذه البرمجيات للترويج لمؤسسته والتواصل مع عملائه ومتابعيه، وإلا فَمِن اﻷفضل الانسحاب من حلبة السباق المتسارع، فبتغريدة لا تتعدَّى حروفها المائة وأربعين حرفا وصل صِيْتُها إلى كل مكان، ومتابعوها تجاوز عددهم مئات الآلاف، لا يزال في المقابل هناك أناس تقليديون يبررون الاحتفالات المليونية وطقوسها الطويلة وتحضيراتها المرهقة، ونتيجتها قد لا تتعدى معرفة نشاطهم سوى القائمين والمنظمين ووسائل اﻹعلام الرسمية التي قد لا يُشاهدها إلا من كان أمام شاشات التليفزيون صُدفة، أو بعض من تصل إليه الجريدة الرسمية مجانا إلى مكتبه.
الدرس التالي: هو دعوة صادقة للتأمل والتفكر في المقارنة بين المسؤول العصري بفكره وقلبه النابض والمؤهل بشهاداته وخبراته المتنوعة والمتحمس للإبداع والانطلاق وأخذ زمام المبادرة ليجعل من مؤسسته التي يُمثلها -حكومية كانت، أو قطاعا خاصا- مُنافسة داخل وخارج دولته، ومُطبِّقة لأفضل معايير الأداء محليًّا ودوليًّا. وفي الطرف الآخر المدير التقليدي المكابر والعنيد الذي لا يقبل بأي تغيير، ويحترف إبراز المشكلات والعقد، صاحب العقل المبرمج الذي يركز على خلق المبرِّرات واﻷعذار، وقوله بأن المقارنة غير عادلة، أو ما شابهها من مبررات لكي لا يقوم بعمله، بل يحاول بطرق مبتكرة أنْ لا تعود إليه لكي لا تطالبه بأي تغيير أو تجديد، مُسخِّرا عقله وطاقاته وذكائه للمحافظة على منصبه فقط، ساعيا للمحافظة على كرسيه ﻷطول فترة ممكنة، محطِّما كلَّ مبادرة يشعر من خلالها بأنها قد تهدد مركزه.
بعضهم يَرَاها تغريدة عابرة، وأنا أراها أكثر من ذلك، أراها أنها تجاوز محمود عن الطقوس المتعارف عليها في الترويج للمنتجات والخدمات المقدَّمة للجهمور، والحوار بين المسؤول ومتابعيه بكل أريحية وشفافية، أراها كسرًا للحواجز النفسية التي ترى أنَّ مثل هذا الأسلوب يُمكن أن ينجح في بلد غير عُمان، ولا يُمكن أن ينجح عندنا، فقد بَرْهَنت اﻷرقام واﻹحصائيات من خلال هذه التغريدة كمثال أنه يُمكننا أنْ ننجح وننطلق إذا ما وُجِدت النية الصادقة، وتم تغليب المصلحة العامة الواسعة على المصلحة الخاصة الضيقة، والتخطيط الجيد والجُرأة المدروسة المبنية على أسس علمية من إحصائيات ودراسات جدوى.
النقاط التي ذكرتها عَالِيْه تُوْصِلنا لخلاصة أنَّ عُمان بها مقومات طبيعية وبشرية الجميع يتفق عليها، لكننا نحتاج لمن يستطيع تجميع هذه العناصر المبعثرة لتكوين فرص مجدية، ولا يمكن ذلك إلا من خلال قيادات شابة ليست بالعمر ولكن بالقلب والعقل، مُنفتحة ومُؤهلة وجريئة لتأخذ زمام المبادرة وتنطلق بعُمان لآفاق أرحب وأوسع.