المجالس البلدية بين (البرستيج) والفعل..

 

 

مسعود الحمداني

(1)

اليوم يتوجه الناخبون في الولايات إلى صناديق الترشيح لاختيار أعضاء مجالسهم البلدية للمرة الثانية من عُمر هذه التجربة الانتخابية والتي بدأت قبل أربع سنوات تقريبًا.

 لم تكن التجربة الأولى بمستوى الطموح المطلوب، بشهادة المُتابعين والأعضاء أنفسهم، الذين لم تُتح لهم فرصة حقيقية للمُشاركة في صُنع القرار، وعانى الكثيرون منهم على مدى السنوات الماضية من عدم الالتفات لتوصياتهم أو اقتراحاتهم، لذلك لم يُكرر كثيرون منهم تجربة التَّرشح في هذه الدورة، لاعتبارات مُتعددة، رغم أنَّ الزخم الإعلامي في الدورة الأولى كان عاليًا جدًا كما هو الحال في هذه المرَّة، ورغم ذلك جاءت التجربة خجولة، ولم يكتب لها فرص كبيرة لأخذ وضعها الحقيقي والمأمول.

(2)

لو سألت كثيرًا من المترشحين عن أهداف ومرتكزات المجالس البلدية لما وجدت منهم إجابة قاطعة، بل إنَّ الصورة بالنسبة لهم ضبابية وغير واضحة، فالعديد منهم رشّح نفسه من مُنطلق قبلي، أو شرفي (برستيج)، وليس لديه فكرة عن العمل البلدي أو دور هذه المجالس، وهو يخلط بين دورها ودور مجلس الشورى، وهذه نقطة أساسية في عدم قيام المجالس البلدية في المرحلة الأولى بواجباتها.. ومرت السنوات الأربع الماضية في المُناشدات والمطالبات، رغم أنَّ بعض المجالس تقدّمت بمشاريع وتوصيات للجهات المعنية إلا أنَّها ظلت حبيسة أدراج المسؤولين ولم ترَ النور، لأنَّ بعض المسؤولين للأسف ليس لديهم رؤية واضحة لدور المجالس البلدية في الحياة العامة.

(3)

الخطوات الأولى في كثيرٍ من المشاريع (المجتمعية) تكون مُتعثرة، ويكون منتسبوها كباش فداء ـ مع الاعتذار ـ لمن سيأتي بعدهم، فعلى عاتقهم يقع العبء الأكبر في التأسيس لكل المراحل اللاحقة، وهي مرحلة جس النبض، والمراقبة التي تقوم بها الحكومة لتعديل المسار، وتقويمه، ومن ثمَّ وضعه على قضبان السكة الحديد ليصل إلى أهدافه، وهي في الجانب الآخر سمة بارزة في كل مشاريعنا التي يكون المواطن فيها طرفاً، كمجلس الشورى، ومجلس الدولة، والجمعيات الأهلية وغيرها.. والتي قد تحتاج إلى نفس طويل لكي تستقر على وضعها الذي صيغت لأجله.

(4)

هذه المرَّة يتوجه الناخبون لاختيار مرشحيهم الذين نذروا أنفسهم لخدمة المُجتمع، وهم ـ كما هو الحال في الدورة الأولى ـ لا يعرف أكثرهم إلى أين يأخذهم التيار، فبعض المرشحين ليس لهم خبرة أو مشاركات في العمل المجتمعي، ورغم ذلك تراهم يزاحمون للجلوس على كرسيّ في طاولات اجتماعات المجالس البلدية، وهو يراهن في (فوزه) على بعض الأصدقاء، والمعارف، والأهل الذين لا يفرق عندهم من هو الأجدر لتمثيل ولايتهم، لأنَّ بعضهم فقد الثقة في المجلس منذ دورته الأولى، ولم يقدّم له شيئاً يُذكر  ـ من وجهة نظرهم ـ.

(5)

أعضاء المجالس البلدية هم مجموعة من المتفرغين، والمُتقاعدين، وأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وغير المتعلمين أحياناً، وهذه شروط العضوية حيث لا يحق للموظف الحكومي التَّرشح للمجلس، كما لم يشترط القانون حدًا أدنى للشهادة العلمية!!..وهذا يعني أن ينذر هؤلاء الأعضاء أنفسهم لخدمة المجتمع، ويتفرغوا لخدمته، وألا يكون المجلس  مجرد ملء لأوقات الفر اغ، وتمضية سنوات التَّقاعد.

(6)

لم تسأل وسائل الإعلام عن السبب وراء (تعفف) كثيرٍ من أعضاء الدورة الأولى عن إعادة ترشحهم للدورة الثانية، وهو السؤال الذي يتجنب البعض الخوض فيه، ولعلَّ أحد الأسباب الهامة في ذلك يعود إلى عدم رضا هؤلاء الأعضاء عن دور المجلس في دورته الأولى..وعن عدم الرضا عن دور بعض زملائهم الذين لم يكن له حس ولا خبر طيلة اجتماعات الدورة الماضية، كما أنَّ لدى بعضهم مآخذ على آليات إدارة المجالس وآليات إيصال توصياتها.

(7)

المجلس البلدي يحتاج إلى أكثر من دعاية إعلامية، وتهويل مجتمعي، إنَّه يحتاج من الحكومة إلى: تفعيل مُمارسة الصلاحيات، وإعطاء توصياته أولوية حقيقية، كما أنَّه بحاجة إلى رفع شروط سقف العضوية، وقبل هذا وذاك يحتاج من العضو إلى: وعي وإدراك لحس المسؤولية الاجتماعية، ليُمارس دوره الوطني من مُنطلق الحرص على مجتمعه، وتطوير أدواته، وألا تقف نظرة البعض عند حد المفهوم (الوجاهيّ) للمجلس.

هذا ما نحتاجه حتى نرى الجبل (البلديّ) وهو يتمخض ليلد فيلا بحجم الطموحات والآمال..

 

 

Samawat2004@live.com