مؤتمر عمان الدولي.. للمسؤولية الاجتماعية

 

د. عبد الله باحجاج

نترقب بآمال عريضة، وطموحات كبيرة، عقد مؤتمر عمان الدولي للمسؤولية الاجتماعية يوم العشرين من الشهر الحالي في محافظة ظفار، فالمؤتمر في توقيته يعد حدث الساعة، من حيث الأهمية الوطنية في ظرفيتها الراهنة، وآفاقها المستقبلية، وهي ظرفية غير مسبوقة، تغل يد الدولة في توفير فرص العمل في القطاع الحكومي، وتقلص من حجم دورها الاجتماعي، من جراء انخفاض الأسعار النفطية، مما بدأ لنا أعداد الباحثين عن عمل تتراكم دون وجود أفق يبعث في نفسياتهم الأمل، وهنا تكمن الرهانات الوطنية الكبرى على الشركات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة في تحمل مسؤولياتها الوطنية جنبا إلى جنب مع تفعيل مسؤوليتها الاجتماعية.

ليس لدى بلادنا كغيرها من الدول النفطية خيار متاح ومضمون لدعم تنميتها الاجتماعية سوى هذه المسار الاستراتيجي، وهو يتلاقى مع إرادة الدولة الجديدة، التي يكشفها لنا منشور صدر منذ بضعة أشهر من وزارة المالية تدعو الشركات الحكومية إلى وضع خطة خمسية لاحتلال القيادات العليا المحلية محل الأجنبية، وزيادة التعمين في الشركات، والمسار يستوعب الشركات الحكومية والأخرى الخاصة، ويضعها أمام مسؤولياتها الاجتماعية والوطنية، ونتمنى أن يخرج هذا المؤتمر بمرئيات تنقل هذه المسؤوليات من طابعها الاختياري إلى الإلزامي، وبنسب مئوية من مجمل الأرباح وليس صافيها، فلو فتحنا تجربة شركة صلالة للميثانول – كنموذج – سنجد أن الإمكانية متاحة الآن للنجاح إذا ما توفرت الإرادات الصادقة، وقننت في آليات عمل مؤسساتية وحوكمة ضابطة، فهذا الشركة كما كشف رئيسها التنفيذي ومسؤول علاقاتها الخارجية في حوار إعلامي يوم الثلاثاء الماضي، تقدم سنويا (مليوني) ريال عماني لمسؤوليتها الاجتماعية التي تذهب لتنمية القدرات البشرية وشؤون المجتمع والرعاية والهبات، فهناك مثلا (50) طالبا من أسر الضمان الاجتماعي يدرسون على حسابها في جامعة ظفار، وطلابا آخرين موفدين على نفقتها في جامعة هارفود البريطانية، كما أهلت (108) امرأة، حتى أصبحن يتوفر لديهن الآن دخل ثابت يتراوح ما بين (400- 500) ريال، كما أوصلت المياه إلى قرى نائية في ظفار.. إلخ وقد وصل المبلغ الإجمالي للمسؤولية الاجتماعية لهذه الشركة (10) ملايين دولار خلال خمس سنوات.

وهذا النموذج، وبالتأكيد هناك نماذج أخرى، نعتبره مثاليا، في ظل عدم وجود قانون ملزم لهذه المسؤولية، وهي مبادرات تلقائية للشعور بهذه المسؤولية، وهذا الشعور قد تجاوز المسؤولية الاجتماعية في منحناه التصاعدي ليلامس المسؤولية الوطنية، حيث تمكن تحقيق ما نسبته (64%) من التعمين من مجموع (260) وظيفة توفرها هذه الشركة حتى الآن، ورغم أهمية ذلك، فإنّ (%36) من النسبة المتبقية، نتطلع من الشركة إلى اختراقه ببرامج زمنية، تعلن عنها الشركة خلال مؤتمر عمان للمسؤولية الاجتماعية، كما نتطلع منها، ومن غيرها، الكشف عن خطتها في الإحلال والتعمين خلال الخمس سنوات، لا نريد من هذا المؤتمر مجرد توصيات أو مرئيات، بل مبادرات لحل قضايا التعمين وتغطية نقص التمويل الحكومي لمشاريع تنموية أساسيّة، كقطاع الصحة والتعليم مثلا، فعهد التوصيات لم يعد صالحًا لهذه المرحلة، لأنّها مرحلة تحتم اتخاذ الحلول المباشرة من الشركات، فهل الشركات الحكومية وشبه الحكومية تفكر الآن من خلال هذا المؤتمر في الحلول أم سيكون مؤتمرًا كغيره من المؤتمرات من أجل الدعاية الإعلاميّة، وإبراز جهود الأشخاص داخل الشركات؟ ينبغي أن تقدم الشركات الحكومية خلال هذا المؤتمر حلولا قابلة للتطبيق فورًا، خاصة وعندها الآن من الحكومة التفويض بالإحلال وبزيادة التعمين خلال إطار زمني محدد، فإذا ما قفز المؤتمر فوق هذا التفويض، فالمؤتمر سيكون دعاية إعلامية أكثر منه حدث الساعة لحل قضايا وطنية عاجلة، فهل ستقود الشركات الحكومية التي عددها أكثر من (60) شركة هذا المسار الجديد، وتحمل معها الشركات الأخرى في توفير فرص العمل وفي دعم التنمية الاجتماعية؟

وعلى الشركات الحكومية – كما تعلم - أنها قد أصبحت الآن محكومة بتجسيد الإحلال وزيادة نسب التعمين خلال مدة زمنية متوسطة المدى، وتحت مظلة هذا السقف، سيكون لديها مساحات كبيرة للإبداع في مسؤوليته الاجتماعية والوطنية، كقصر المدة الزمنية إلى قصيرة بدلا من متوسطة، وكإعلان عن مشاريع جديدة توفر فرص للعمل.. للمخرجات الجماعية ذات التخصصات الفنية كالمهندسين وفق ضوء ما كشفت عنه مؤخرًا وزيرة التعليم العالي عن تخرج (500) ألف خريج وخريجة سنويا في التخصصات الهندسية دون أن يحصلوا على فرصة عمل.. فمثل هذه الأحداث، سوف تضخ رسائل إيجابية لتعزيز الأمل في نفسيات الشباب، فهل يعي هذا المؤتمر مثل هذه الحمولات الوطنية الملقاة على عاتقه الآن بالذات؟ كما على الشركات الخاصة الأخرى نفس المسؤولية، ليس كمنة، وإنما كواجب عليها بعد أن أصبحت المصدر الرئيسي للثروة وتوليد فرص العمل، بدليل التعويل عليها في تمويل برنامج التنوع الاقتصادي بنسبة (80%)، وفي ذلكم، يكمن مواطن نجاح المؤتمر، لكننا نحمل هاجسا مرتفعا من عدم اقترابه لمستوى الحمولات سالفة الذكر، ومن ثمّ نخشى أن يكون مؤتمرًا عاديًا، يركز فقط على تذكير الشركات بمسؤولياتها الاجتماعيّة وواجباتها إزاء المجتمع، ولو حدث ذلك، سيعني أننا لم نغادر مرحلة البهرجة الإعلامية، وإنفاق الأموال عليها، وهذا سيفتح لنا آفاقا مدى نجاح برنامج تنفيذ من عدمه، لأنّه يركّز على الشركات في المقام الأول.

لكن، ورغم ذلك الهاجس، يظل الأمل قائما في أن يخرج من هذا المؤتمر، إقامة صندوق للمسؤولية الاجتماعية في كل محافظة من محافظات البلاد، يقطع نسبة مئوية سنوية الزامية من أرباح الشركات المتواجدة في كل محافظة، وكلما رفعت الشركات نسبتها المقررة قانونيا، تمنح إعفاءات ضريبية، تشجيعا لها، وتدويرا للأموال على البعد الاجتماعي، وأن تكون لهذا الصندوق رؤية استراتيجية تهدف إلى خدمة المجتمع المحلي عبر برامج اجتماعية وتنموية واضحة ومحددة، وتدير كل صندوق لجنة مكونة من الشركات نفسها ومن المجالس المنتخبة في المحافظات، ومن السلط المحلية الحكومية فيها، ومن الكفاءات التكنوقراطية، على أن تشرف على هذه الصناديق، هيئة عليا مستقلة يتشكل أعضاؤها من رؤساء وأعضاء صناديق المحافظات، ومثل هذه المقترحات ستنم على الوعي المفترض بخطورة المرحلة، والرهانات الوطنية على دور الشركات، كما ستضع حدًا على تبعثر وتشتت أموال المسؤولية الاجتماعية للشركات المرتبطة الآن بأهواء وأمزجة إدارات الشركات، بعضها تمنح الكثير، وأخرى القليل، وفريق ثالث لا يزال يغرق في متعة أرباحه المئوية دون الاعتداد بأية مسؤولية اجتماعيّة تجاه المجتمع الذي ينتسب إليه، فهل مثل هذا الرؤيا سوف يخرج بها مؤتمر عمان الدولي للمسؤولية الاجتماعية؟