فكرة الاتحاد الخليجي.. رؤية تقويميّة

 

عبد الله العليان

طرحت على هامش مؤتمر منتدى دراسات الخليج والجزيرة بالدوحة؛ ومن خلال حوارات بعض الباحثين والمشاركين في المؤتمر، حول موقف عُمان من قضية الاتحاد الخليجي، وقد تعرضنا كثيرا لهذا السؤال، لماذا أنتم معترضون على فكرة الاتحاد؟

والحقيقة وفق رأيي الشخصي، أرى أنّ أهمية الحوار حولها يكون أكثر واقعية بعيداً عن العواطف والحماس الذي فيه النظرة المخلصة، لكنّه يحتاج إلى الواقعيّة والعقلانية، فلا يختلف أحد على أفكار الوحدة، أو الاتحاد، أو التضامن، أو التكامل، أو غيرها من الأفكار التي تجمع الأمة، وتجعلها أكثر تقارباً وتكاملاً، بهدف تعزيز قدرتها على تجميع قواها لخير أوطانها وشعوبها، لكن من المهم أن تكون هذه الأفكار التي كما قلت لا يختلف عليها أحد، قادرة على الصمود، دون ارتباكات ودون خلافات، لا يتحقق لهذه الفكرة الصمود مع الوقت، وهذا الذي أراه جديراً بالتأمل والمراجعة والتخطيط الجيّد، ففي تجاربنا العربية، ومن خلال استقراء التاريخ العربي، أنّ كل هذه الأفكار التي تم تطبيقها، حصلت لها انتكاسات إلى حد الفشل، مع أنّ هؤلاء رفعوا شعار الوحدة والاتحاد في دساتيرهم، وفي بياناتهم، وفي صحفهم لعقود! ففي أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، حصلت الوحدة بين مصر وسوريا، تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، وانتخب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، رئيساً لدولة الوحدة 1958، واستقال الرئيس شكري القوتلي الرئيس السابق لسورية، قبل الوحدة الاندماجية، وفي عام 1962، انقلب البعثيون على الوحدة وإعلان الجمهوريّة العربية السورية، بحجة سياسات إقصاء الضباط السوريين من قبل القيادات المصرية، وبعض السياسات الأخرى، وانتهى أول حلم وحدوي للحركة القومية في الدولة العربية القطرية، وفي عام 1971 تأسس اتحاد بين مصر وسوريا وليبيا، وقد كان رباعيًا مع السودان، إلا أن الأخيرة تراجعت بحجة ظروف السودان بعد انقلاب الشيوعيين على الرئيس جعفر في نفس العام، وسقط الاتحاد بعد أقل من عام، وبعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1977، أنشئ كيان سياسي سمّي (دول الصمود والتصدي) ضم ليبيا والجزائر والعراق وسوريا واليمنيين، سرعان ما انتهى هذا الكيان الوحدوي في فترة قصيرة، ثمّ الاتحاد المغاربي عام 1989، وسقط في لمح البصر. وآخرها الوحدة اليمينية في عام 1990، والتي جاء الانفصال بعدها سريعاً، وفرضت بقوة السلاح من طرف رئيس الوحدة آنذاك علي عبد الله صالح عام 1994.

الذي أود قوله أن العواطف الجياشة، والرغبات الطيبة الحالمة في هكذا خطوات لها في النفس العربية رغبة عارمة ومن أرضية شعبية، لا تتحقق بخطوات سريعة، فلا بد من تدرج وتخطيط وإعداد، لكل صغيرة وكبيرة، بهدف توفير النجاح لهذه الخطوة المهمة، وإلا سيكون مصيرها، مثل أخواتها العربيات، وإذا كان هناك بعض الخلافات حول بعض الملفات، منذ إنشاء مجلس التعاون حتى الآن، وهو للتعاون والتنسيق، فما بالنا لو قفزنا للاتحاد فجأة، والحقيقة أنّه لو تمّت هكذا دعوة عاطفية لظرف طارئ، فإنّني لن أفرح لهذا الاتحاد عند قيامه، بل سأتوقع الخلافات ستزداد، والهواجس ستتحول إلى توترات، والتوترات ستأتي بإخفاق هذا الاتحاد، والسبب هو الاستعجال السريع في قيامه، وأتذكر حديثا لجلالة السلطان قابوس حفظه الله، لجريدة البلاد السعودية عام 1987م، في غاية الحكمة والرؤية الثاقبة لمسيرة مجلس التعاون وتدرجه في التطبيق حيث قال -أيّده الله- "أشعر أنّ ما تحقق يجب ترسيخه، واعتقد أنّ هذا هو الطريق الذي أصبح يسلكه مجلس التعاون في ترسيخ أدوات نجاح المسيرة وتعميقها، والنظر إلى المستقبل بصورة ثابتة ثاقبة وعدم الاستعجال أحيانا لا يكون مردوده طيبا، يجب عندما نخطو خطوة ألا نرجع إلى الوراء بعدها، بل يجب أن نخطو غيرها إلى الأمام". هذه الرؤية يجب مراجعتها، وحرق المراحل أحيانا يأتي عكسها، ولذلك فإن بيان دورة المنامة، أعطى رؤية حكيمة في مسألة التكامل، والسير بهذا الطريق إلى تحقيق كل المطالب التي نريدها، وهذا ما نأمله بإذن الله.