سياحة المؤتمرات

 

 

حاتم الطائي

لا يملكُ الزائرُ لمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض إلا أنْ يشعر بالفخر والاعتزاز، ويعبِّر عن انبهاره بهذا المعلم الحضاري الجديد، بقاعاته المجهَّزة، وتقنياته الحديثة في جذب نمط جديد من السياحة إلى بلادنا. وليس من قبيل المصادفة أن يستضيف المركز قبل أسبوع معرض "تنفيذ" الرامي لتعزيز التنويع الاقتصادي وفق جُملة من الخطط والإستراتيجيات التي تستهدف تَحوُّلاً في بنية اقتصادنا الوطني تتناسب وأولويات المرحلة، إذ تحتكم منظومة التنمية اليوم إلى منهجية التفكير خارج الصندوق، وابتكار آليات جديدة تبتعد عن التقليدية والتكرار.

فعُمان بما تتوافر عليه من بُنى أساسية وإمكانيات تَلْزَم صناعة سياحة المؤتمرات؛ من مطارات وشركات طيران وخطوط جوية مُمتدة حول العالم، وقوانين تسهِّل حركة المسافرين، عدًّا على جناحي الأمن والأمان والبيئة السياسية البعيدة عن التوتر؛ والتي اكتملتْ جميعها بإنجاز الشركة العُمانية للتنمية السياحية "عُمران" للمرحلة الأولى من مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض ليكون مَعْلَماً رمزيًّا للعاصمة مسقط وللسلطنة بشكل عام، والذي شُيِّد على طراز عالمي مُعد بشكل مِثَالي، فضلا عن القيمة المكانية التي وضعته في بيئة طبيعية فريدة من نوعها؛ حيث يُطل على وادٍ يُمثل محمية طبيعية، وقُرْبُه من مطار مسقط الدولي؛ وما يضمه من قاعات ومسارح بها مساحة عرض إجمالية تفوق 22.000 متر مربع.. كل هذا يضعنا أمام حديث جاد وحقيقي عن ضرورة صياغة إستراتيجية وطنية للترويج والتسويق لسياحة المؤتمرات؛ بما يدعم خُطى تعظيم الاستفادة من تلك السياحة، ويُروِّج للصناعة الوطنية، ويقوِّي قنوات التواصل، ويرفع قدرات العاملين في القطاعات الاقتصادية ذات العلاقة، وكأحد أنواع السياحة الهادفة للترغيب في المعرفة وتوسيع دائرة المعلومات الثقافية والحضارية للسلطنة، مستفيدين من الثراء التراثي والغنى الجغرافي والاتزان السياسي الذي يمنح السلطنة فرصة أكبر لاستضافة عشرات المؤتمرات الدولية سنويًّا فى شتى المجالات، وما يستتبع ذلك من إيجابيات تدعم مُؤشرات الإنفاق السياحي، وتعزِّز أرقام اقتصادنا الوطني.

وكاستقاء من مَعِيْن الأرقام والتوقُّعات المُتاحة، فإنَّ الآمال تنعقد على أن توفِّر تجربة مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض أكثر 24000 فرصة عمل مُباشرة وغير مباشرة بحلول 2030، وأنْ يدعم الناتج المحلي الإجمالي في نفس العام بقيمته 200 إلى 240 مليون ريال، وبما نسبته 30% من عائدات السياحة؛ إضافة للآمال التي تنعقدُ عليه في زيادة حجم التبادل التجاري والمعرفي والصفقات التي تُعقد خلال معارضه ومؤتمراته، ومصروفات الزوار الدوليين سواءً على الخدمات السياحية أو القطاع الفندقي؛ حيث من المتوقع -باكتمال مراحل المشروع- إنشاء فندق فئة 5 نجوم، وفندقين فئة 4 نجوم وآخر فئة 3 نجوم، إضافة لما جُملته 1000 شقة فندقية، ومركز تسوُّق ومواقف تجارية، وبالتالي زيادة حجم الاستثمارات، وارتفاع إيرادات الجهات المالكة والمنظِّمة للمعارض من خلال عقود الرعاية، ورسوم التسجيل، وبيع مساحات للعارضين، وبيع الحقوق الإعلامية، وزيادة الأنشطة الدعائية، بما يوفِّر عائداً اقتصاديًّا واستثماريًّا يَخْدِم التوجُّهات الحكومية الحالية.

إنَّها كذلك دعوة لاستثمار الإمكانات الحالية ببعض المناطق السياحية في الندوات والاجتماعات والمعارض المحلية؛ لتجاوز مشكلة موسمية الإشغال الفندقي، حيث يُمكن لوزارة السياحة على سبيل المثال أن تتبنَّى مشروعاً لتخفيض تكلفة تشغيل الوحدات السكنية والفنادق، والتنسيق مع الجهات ذات الاختصاص لإقامة مؤتمراتها واجتماعاتها الدورية بمختلف ولايات ومحافظات السلطنة، خلال الأيام غير الموسمية؛ وبالتالي يُمكن للمستثمرين الاستفادة من تشغيل وحداتهم السكنية، وكذلك كنوع من توظيف سياحة المؤتمرات والمعارض خدمةً للسياحة الداخلية، بدلا من تركُّزها في مسقط؛ وبما يُشجع بالتالي على تلبية مُتطلبات السياحة بشكل تكاملي.

... إنَّ استفادةً حقيقيةً من مكانة السلطنة خليجيًّا وإقليميًّا وعربيًّا، بل ودوليًّا، تُؤهِّل تجربتنا في هذا القطاع لنجاح مُنقطع النظير؛ حيث تتربع السلطنة -ولله الحمد- على سُلَّم أولويات السائحين العرب والأجانب؛ لما تتمتَّع به من نعمتيْ الأمن والاستقرار السياسيين، إلا أنه وفي المقابل لا تزال خطط إنجاح القطاع بحاجة لمزيد من العمل وإيلاء اهتمام أكبر بالبُنى الأساسية، وتأهيل جدي للأيدي العاملة الوطنية، وتحديث إستراتيجيات وخطط التسويق، وإيجاد بيئة تنظيمية ومؤسساتية لتنمية وتطوير الموارد البشرية والسياحية الوطنية، وتوحيد وتنسيق جهود وأدوار ومسؤوليات الشركاء المباشرين في التنمية السياحية، وتنفيذ برامج توعوية للمستثمرين والعاملين وملاك ومشغلي القطاعات التي لها علاقة مباشرة بخدمة السيَّاح، وإتاحة المجال أمام القطاع الخاص للمساهمة في رفد هذا القطاع الواعد، ومنح امتيازات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ في إطار تكاملية الأدوار واضطلاع الجميع بمسؤولياته المجتمعية، وبما يعود بالنفع على منظومة التنمية.