عبد الله العليان
حضرتُ، الأسبوعَ المنصرم، بالعاصمة القطرية الدوحة، مؤتمرَ منتدى دراساتِ الخليجِ والجزيرةِ العربية، حيث طرحت أهمّ القضايا والتطورات التي تهم الخليج والجزيرة العربية، والعلاقة التي تربطهما على الساحة الإقليمية والدولية.
وقد أحسن صنعاً المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي نظم المؤتمر، في وضع هذه القضايا على بساط البحث والنقاش، للسنة الثالثة على التوالي، بحكم أهمية المنطقة، والتحديات القائمة التي أصبحت واقعة في منطقتنا الخليجية والعربية عموماً، ولا شك أنّ هاجس الاقتصاد، والسياسة والأمن، أخذ في الأولوية في أغلب الأوراق المقدمة للمؤتمر من كل الباحثين المشاركين في هذا المؤتمر، حيث عدم الاستقرار والتوترات في المنطقة منذ عدة سنوات، التي تستشعرها أغلب دول المجلس التعاون، وهذا مرهون باتخاذ خطوات لتعزيز استراتيجية تخطيطية لما ينبغي أن تكون عليه دولنا، لمواجهة كل التحولات والتطورات التي هي واقعة أو مستقبلية لهذه المنطقة، والحديث المكثف عن الخطر الداهم أو القادم، لا يجدي شيئا، بل الأهم أن نخطط لأنفسنا، كما يخطط الآخرون، وعلى أسس قوية على كل المستويات، فالعالم اليوم ينظر للدول الناجحة في مسارها الاقتصادي والتنموي والاجتماعي نظرة تقدير واحترام في مسارها في مجال النهوض الاقتصادي والصناعي، وبعض دول الخليج للأسف، لم تستفد جيدا منذ عقدين أو يزيد من ارتفاع أسعار النفط التي وصلت إلى أكثر من مائة وعشرين دولاراً لعدة سنوات، وهناك دول آسيوية قفزت قفزة علميّة وتكنولوجيّة كبيرة، وهي لا تملك ما تملكه دول مجلس التعاون، ومع ذلك أصبحت من الدول التي يشار إليها بالبنان، من حيث القوة الاقتصادية والصناعية، وهذا الذي لم تستغله دول المجلس للوصول نهضة صناعية توازي ما وصلت إليه هذه الدول.
والواقع أننا تأخرنا كثيرا، وكانت سياساتنا تقوم على ردة الفعل، وعدم الفاعلية، والرؤية المستقبلية للتطورات في عالم اليوم الذي يخطو خطوات للأمام، وأصبحنا نستشعر الخطر، دون أن نكون قادرين على أن نكون نداً لمن يريد أن يستغل وضعنا الراهن سواء في المجال الاقتصادي أو العسكري، واستغرب أنّ البعض من الباحثين يتحدث عن الخطر من بعض الدول وأطماعها وخطرها الذي يراه حقيقة في الكثير من الممارسات! وكان ينبغي أن نكون أكثر قدرة لمواجهة أية أخطار من حيث القوة والعتاد، واستغلال الثروة في بناء صناعات متعددة قبل سنوات مضت، لضمان للأمن والاستقرار دون أن نخاف أيّة تهديدات، ولذلك أرى أنّ الفرصة مواتية لدول المجلس في التخطيط لمشروع كبير في البناء التنموي، والاقتصادي، والصناعي، وأن تعزز علاقاتها مع دول آسيا في شراكة اقتصادية وصناعية، وهذا ما قاله د. تموثي نيبلوك، الأستاذ الفخري بجامعة إكستر البريطانية في المؤتمر: إنّ هناك فرصًا سياسيةً استراتيجية متوافرةً أمام دول الخليج اليوم، وهي مرتبطة بعلاقاتها التجارية والاستثمارية بآسيا، وهي علاقات متنامية باطّراد، وأشار نيبلوك إلى أنّ دول الخليج لديها فرصا للتوسّع في علاقاتها مع الصين والهند خاصة وأنّ دولاً مثل إيران وإسرائيل نجحتا، حتى الآن، في قراءة التغيرات التي تطرأ على النظام الدولي وتوسعتا في العلاقة مع الصين، داعياً دول الخليج لأن يكون تفاعلها أفضل من الحالي وأن تقرأ التغيرات الدولية وتستفيد من ذلك في سعيها للتنوع الاقتصادي".
الفرص لا تزال قائمة وبقوة، لكن أين هي الخطوات الجادة في استثمار الفرص الصحيحة؟ وكان علينا ألا نتحدث كثيرًا عن المخاطر التي ربما البعض يريد أن يستغل ظرفنا الراهن، ولا عن سياسة الآخرين وبرامجهم، وفي المقابل علينا أن نتحرك في هذا المجال، ونعمل بصمت وبرؤى استراتيجية، وأن نخطط لمشروعنا لخدمة أوطاننا بعيداً عن إثارة الحديث عمّا يريد الآخر أن يخطط له، وعلينا في المقابل أن نعزز مواردنا بما يجعلنا في نظر الآخرين قادرين على الوقوف على أقدامنا، وعلى قدرتنا في الدفاع عن أنفسنا، دون خوف أو وجل، وهذا ما نحتاجه، ونستطيع أن نحدد مسارنا على أسس واضحة وواعية..
وللحديث بقيّة،،،