حمود بن علي الطوقي
يدخل برنامج "تنفيذ" مرحلة مُهمة بعد عملٍ دؤوب استمر لأكثر من شهرين، الآن يمكننا القول إنّ التفاعل المجتمعي يمثل أمراً في غاية الأهمية، خاصة وأنَّ كافة الأوراق أصبحت مكشوفة لدى المواطن الذي هو أحد أهم أركان هذا البرنامج وأجزم كمُتابع أن (تنفيذ) يُشكل انعطافة مهمة في مسيرة البناء الاقتصادي في السلطنة، بخاصة من خلال الإقران الفعلي للبناء التنموي بين القطاعين العام والخاص، على اعتبار أنّ الصلة الأساسية بين القطاعين هي تجسير العلاقة بينهما لما فيه مصلحة الوطن في المقام الأول.
لقد تابعنا- بشكل مُكثف- الخطوات وحلقات العمل (المختبرات) والحواريات المرتبطة بها، وهذه المُتابعة كشفت عن توجه مهم جدًا على مستوى الحراكين الذهني والعملي من أجل صياغة منظومة اقتصادية مُهمة للمرحلة المُقبلة من الخطة الخمسية التَّاسعة، بما سيحقق فائدة شمولية للأفراد والشركات والحكومة في الوقت ذاته.
يُمكننا - من واقع ردود الأفعال المصاحبة لـ (تنفيذ) - القول إنَّ المشاركة المجتمعية قد حققت مرادها، من خلال دعوة الأطياف المؤسسية الرسمية والخاصة والأفراد والخبراء والمُحللين والمعنيين برسم وقراءة الإستراتيجيات الاقتصادية، وذلك من خلال تحققهم في المشاركة عبر الجلسات على مستوى المرحلتين الأولى والثانية، وهذا الاستقراء منعكس على واقع الجلسات ذاتها، والمُخرجات التي ظهرت في استقراء المُعطيات العامة لتفاصيل مرحلتي (تنفيذ)..
لقد كشفت تفاصيل الأداء المرتبطة بـ (تنفيذ) عن عدة مؤشرات، أهمها الدقة في التَّعاطي مع المنجز العام المتحقق، مما قاد إلى استشراف مرتبط بأرض الواقع للمرحلة المُقبلة؛ كما أنَّ العمل الجماعي الذي من خلاله كشف عن فهم عميق لفهم التغيرات الاقتصادية في العالم، وانحياز الدخل المحلي إلى النفط، وضرورة تجاوز هذا النمط الإنتاجي الاقتصادي، عن طريق رسم مسارات الطموحات الخاصة بالأفراد من مسؤولين وأصحاب شركات، عكسوا ضرورة بناء الشراكة التفاعلية مع الحكومة؛ بالإضافة إلى أنَّ الوعي المجتمعي الراغب في التَّخلص من مصدر الدخل الواحد إلى تعديد المصادر أسهم في تغيير الرؤية إلى المسار الحالي، تمهيدًا لتحقيقه إلى واقع مختلف متحقق واقعياً، وملبّ للطموحات الضرورية بما يتناسب مع ثلاثية الخطة الخمسية التاسعة.
من خلال ذلك يُمكن فهم التَّرقب العام الذي ينظر إلى التغيير على أنّه تغيير طموح يهدف إلى تحقيق التغيير الذي لا مناص له من أن يصل بسفينة الاقتصاد المحلي ذي الخارطة التنويعية إلى مرحلة الأمان، وهو الذي يتم زراعته الآن لتحصده الأجيال اللاحقة من جهة، ولتبني عليه خططها المستقبلية أيضًا من ناحية ثانية ..
على الرغم من هذا الطموح، لكن ثمَّة تحديات تكتنف هذا الدخول الأوّل في مواجهة النفط وأسعاره المُتقلبة، وخاصة أن من سيقوم بتنفيذ تلك المشاريع هو القطاع الخاص، وتتمثل إحدى هذه التحديات في كون التمويل سيكون بنسبة 80% هي نسبة مشاركة القطاع الخاص، في حين ستنحصر النسبة في 20 % من قيمة المشروع للجهات الحكومية، فضلا عن أنَّ التوقيت يشكل طرفاً غير هيّن في التعاطي مع مشاريع تحمل سمة الحلول أو التنافسية في رفد الميزانية العامة للدولة، في ظل خمول في الحراك الاقتصادي بشكل عام، وإن كان الطموح سيحاول أن يؤكد عكس ذلك..
من زاوية أخرى يُمكن ملاحظة التداخل والتَّشابك في الصلاحيات بين المؤسسات الحكومية المعنية بدعم المشاريع الاقتصادية التي سيقوم (تنفيذ) بالاشتغال عليها، هذا إذا علمنا بأنّ الصلاحيات التي يمتلكها (تنفيذ) لا يُمكنها التعاطي مع ذلك التداخل، لتشكيل ضغط إيجابي، وهنا تتجلى محدودية التمكين..
بمراجعة بسيطة لأسماء المؤسسات المشاركة في حلقات عمل (تنفيذ)، سنجد أنّ بعضها المهم غير وارد في القائمة، وهذا يشكل أحد التحديات، لأن وجودها يُساعد على تخفيف مستويات الضغط على القطاع الخاص من حيث التسهيلات التي يمكن أن يحصل عليها لدعم جودة وسرعة إنجاز المشاريع ذاتها، وستنعكس على إتقانها بشكل أدق، ولهذا نظنّ أن المؤسسات المحجمة عن المشاركة سيكون حضورها تفاعلياً ومفيدًا وإيجابيًا لما فيه مصلحة الجميع .
هذا سيقودنا إلى ضرورة وضع أطر من أجل جعل السياسات الاقتصادية ذات سلاسة ومرونة، بدلاً من جمود الإجراءات التي أثّرت - فيما مضى - على واقع الأداءات الاقتصادية للقطاع الخاص، وهي السبب ذاته الذي أوجد (تنفيذ)، نظراً إلى المستقبل المرسوم للتنويع الاقتصادي المطلوب تحقيقه في البيئة العمانية .
هذه التحديات كلها، من المهم النظر إليها بعين الاعتبار في المرحلة الثالثة من (تنفيذ)، لكون الحلقات وما فيها من استغراق في التفاصيل والنظر إلى المستقبل، ينبغي أن تنعكس إيجابًا على الديمومة المالية، بدلاً من الإستراتيجيات غير المكتملة .