يد تبني وأخرى تحمي وتصون

 

 

علي كفيتان

في غمرة احتفالات البلاد بالعيد الوطني السادس والاربعون المجيد، كُنت أتأهَّب لكتابة مقالي الأسبوعي الذي يليق بهذه المناسبة العظيمة، ولكنَّ الظروف أجبرتني على أن أكون مرافقا لوالدي في المستشفى الجامعي بمسقط العامرة، في صبحية الجمعة الثامن عشر من نوفمبر كان الجناح البنفسجي بوحدة القلب يدب بالحركة، خاصة من قبل الممرضين والإداريين، لكنهم يُمارسون نشاط مختلفاً لم أعهده منهم طوال أسبوع من الزمن قضيته معهم، إنهم يقومون بتعليق الأعلام وصور صاحب الجلالة في أرجاء المكان، ولا تخلو المهمة من مخاطرة؛ فبعضهم يصعد على الكراسي والطاولات لتزيين سقف الجناح، كما تم توزيع أوشحة على المرضى تحمل شعار المناسبة، وسمعتُ صَوْت التلفاز المعلق في زاوية الجناح الذي ظل صامتا طوال الفترة الماضية يرسل إلينا قصائد وطنية، ومر علينا الدكتور الكندي رئيس وحدة القلب في يوم إجازته بدشداشته وكوفيته وبابتسامته المعهودة التي توحي بالأمل لجميع مرضاه؛ فمنهم من أنهى عمليته ومنهم من ينتظر.

ولقد اكتشفت أنَّ القدر قادني في هذا اليوم للاطلاع على أحوال أناس لا يستطيعون التنقل بحرية في مثل هذه المناسبات الغالية، كما رأيت بأم عيني وفاء وإخلاص البعض لمهنته ووطنه في مثل هذه المناسبة بهذه المؤسسة الصحية الراقية؛ فشكرا لحمود البريكي، وسليمة المعمرية، ومحمد آل عبدالسلام، الذين كانوا شعلة نشاط تدفعها الروح الوطنية لمشاركة مرضاهم هذه المناسبة العظيمة، والشكر موصول لجميع من لم أعرف أسماءهم في وحدة لقلب بمستشفى جامعة السلطان قابوس.

وبعد أن كان جميع المرضى ممدَّدين على ظهورهم، ومعظمهم من الطاعنين في السن، رأيتهم في ذلك اليوم يتأهبون؛ فقد جلس معظمهم بينما اضطر بعضهم للمجيء على أسرتهم للتحلق حول التلفاز بعد عصر ذلك اليوم المشهود، جميعهم يريدون أن يحظوا بنظرة تطمئنهم على عاهل البلاد المفدى، لقد نسوا آلامهم وجراحاتهم القلبية، وقال لي معظمهم: "يكفينا أن يظل ذلك القلب الكبير ينبض؛ فهو من نستمد منه العافية لكل عمان بعد توفيق الله عز وجل".

كانوا ينتظرون بحماس شديد حتى ظهر الموكب الميمون، وتجلى صاحب الجلالة ببزته العسكرية، مبتسما أمام رجال يرتدون لباس الحرب والسلام، إنهم كبار القادة العسكريين المصطفين لاستقبال جلالته، رجال تنحني لهم هاماتنا إجلالا وتقديرا لمهماتهم الجسيمة؛ فهم لا يشتكون ولا يطلبون، وتجدهم في ثغور الوطن في كل وقت وحين، هم رجال مهذبون منضبطون وقبل طلوع الفجر تجدهم على مكاتبهم أو في معسكراتهم؛ لأنَّ الوطن بدونهم تقف عقارب ساعته. فبينما يتجادل الآخرون حول بصمة الحضور والانصراف وصرف العلاوات والمكافآت، ويتكدس الكثير منهم على المكاتب دون عمل فيما يعرف بظاهرة "الترهل الوظيفي"، ويحلوا لمعظمهم الترويج للفساد الذي لا يخلد إلا في عقولهم المتحجرة، تجد كل فرد في القطاع العسكري والأمني يعرف مهمته اليومية، ولا يحيد عنها، وينفذها بكل دقة وإخلاص حسب ما طُلِب منه؛ لأنَّ جلالة السلطان رباهم على ذلك، وهم علي النهج سائرون؛ فتحية إجلال وإكبار لهؤلاء الرجال المخلصين.

إن المؤسسة العسكرية والأمنية العُمانية التي يقودها صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه- وتصنف كواحدة من أكثر المؤسسات انضباطا على المستوى الإقليمي والدولي، هي الحصن المنيع لحماية الوطن من عاديات الزمن والاحتفال السنوي الذي لا يتم إلا بحضورهم المهيب، تحت الرعاية السامية له معانٍ عظيمة في أنفسنا؛ فهم من يبعث لنا بأن الوطن آمن ولن تناله أيادي العابثين، والمتربصين، والمغرَّر بهم؛ لأنَّ هناك عينا تراقب الوطن واليد على الزناد.

فالمؤسسة العسكرية والأمنية العمانية ليست مجرد أجناد ينتشرون على طول تراب الوطن وعرضه، بل هم كذلك من يسهر على سلامة المجتمع من الأفكار المغرضة التي أصبح يُروَّج لها في كل دول المنطقة، ويطوف حولها المغفلون فيطعنون أوطانهم من الخلف، ويكفرون بكل الحسنات، ويروِّجون لفتات الأخطاء، ويضعونها تحت المجهر ليطبلوا عليها في مُختلف مواقع التواصل الاجتماعي. إنَّ عمل المؤسسة الأمنية هو بمثابة المصل الذي لا يَسْمَح بانتشار المرض في الجسم المجتمعي السليم، ولسان حال هذه المؤسسة الوفية يقول: "كلٌّ يفعل ما يحلو له إلا الإساءة للأديان والمعتقدات والقيم العُمانية الاصيلة، أو الإضرار بمكتسبات الوطن، أو المساس بذات جلالة السلطان".

كل عام وجلالة السلطان بصحة وسلامة، وعُمان في أمن واستقرار.

 

alikafetan@gmail.com