انفجار الإطار ومخاطر عرقلة الطموح

 

د. عبدالله باحجاج

عِشْنَا يوم الجمعة الماضي على وقع إحدى التداعيات المحتملة، مُسبقا، التي دققنا جرس الإنذار بشأنها في عدة مقالات سابقة، قبل وبُعَيْد افتتاح مطار صلالة الجديدة قبل عام تقريبا، وهو انفجار إطار إحدى طائرات الطيران العماني، ومكوث الطائرة في المدرج لأكثر من ثماني ساعات، وتعطيلها ثلاث رحالات داخلية وخارجية بسبب افتقار مطار صلالة الجديد لمبنى صيانة وإصلاح الطائرات، وعدم توافره على أدنى الإمكانيات لمعالجة مثل هذه المشكلات، وهنا يكون في تاريخ السنة الأولى لهذا المطار حادثتان؛ الأولى: غزو مياه الأمطار مبنى المطار. والثانية: انفجار هذا الإطار، وهذا يعني أنَّ احتمالية المخاطر فيه قد تكون غير عادية، وحتى لو كانت عادية، فسيظل افتقاره لمبنى الصيانة وإصلاح الطائرات معرقلًا للطموحات الاجتماعية الدولية، فهل يُنتظر حتى وقوع الحادثة الثالثة لا قدر الله؟!

من حق المسافر تأمين وصوله إلى وجهته المحددة في التذكرة وفي الوقت المحدد فيها، مع التسليم بالظرف الطارئ، وهذا التسليم ليس مطلقا، وإنما مقيد بتوفر كل الإمكانيات المساعدة على تأمينه، من توافر الدعم اللوجستي وكل الإمكانيات اللازمة للتعامل مع الظروف الطارئ فورا، وإلا فإن هذا الحق غير مؤمن، مثل ما حدث للمسافرين في الرحلات الثلاث المتأثرة بالحادث؛ ممن قد يكونون قد فقدوا من جراء ذلك مصالح تجارية أو مواعيد صحية أو ندوات فكرية...إلخ، مع ما يتبع ذلك من تأثر السمعة الخارجية لهذا الخط، وبالتبعية قطاع السياحة، فهل مشروع "تنفيذ" قد أخذ بعين الاعتبار مثل هذه المعرقلات السياحية في ظل ما يعطيه لقطاع السياحة من اهتمامات إستراتيجية مقبلة؟ هل ستستفيد الحكومة من هذه الحادثة أم أنها لن تتحرك إلا بعد ان يقع الأسوأ لا قدر الله؟ والتساؤل المطروح يدور حول كيف انفجر إطار الطائرة؟ صحيح هذه مسألة فنية، متروكة للتحقيقات، غير أن هذا الانفجار يذكرنا بانفجار مماثل قريب لإطارين لإحدى شركات الطيران العماني في مطار أبوظبي، فهل عُرفت الأسباب؟ وهل هى نفسها الأسباب التي أدت بالحادثة الجديدة؟ ولما بحثنا في موقع "ويكيبيديا" عن إطارات الطائرات، وجدنا أن انفجار إطارات الطائرات يكون في الحالات النادرة؛ لأن إطاراتها يجب أن تكون قوية بما يكفي لتمتص الصدمات القوية عليها خلال الهبوط، وأيضاً خلال السرعات العالية عند الإقلاع وفترة دوران الإطارات على الأرض؛ لذلك تكون نسبة ميلان الإطارات هي 32-35%، ووجدنا هناك عدة أنواع للعجلات...إلخ؛ لذلك فهذه مسألة فنية، لكن يظل التساؤل حول سبب انفجار الإطار مشروعا، وقبل أن ننتقل لنظرتنا الشمولية التي يفتحها انفجار الإطار، لابد أن نطرح تأملات في صيغة تمنيات ليس جلدا للذات، وإنما استدراكا للمستقبل الذي قد يكون خلال ساعة أو يوم، وكذلك تفنيدا لما ورد في بيان الشركة من مفردات ومصطلحات قللت كثيرا من الحادثة، وحاول البيان اعتبار عملية قطر الطائرة من المدرج قد تمت وفق المتعارف عليه مهنيا، وهى طبعا غير ذلك، ولن يقبل تسويقها على أنها كذلك، فلو كان يتوفر للمطار مبنى للصيانة أو إمكانيات إدارة مثل هذه المخاطر، لما استغرقت عملية إخراج الطائرات من المدرج ذلك الوقت الطويل، ولما تعطلت ثلاث رحلات، ولتم إصلاح الإطار خلال 45 دقيقة وفق التقديرات التي وجدناها في ذلك الموقع، وتتحدَّث عنها كتب الطيران المتخصصة، ولما ظلت الطائرة جاثمة في المطار ربما حتى الآن انتظارا للدعم اللوجستي من مسقط، وهذه الحادثة تفتح لنا التحديات المقبلة التي ينبغي أن نُسارع فورا إلى إقامة مبنيي الصيانة والتمويل، إما بتمويل حكومي أو القطاع الخاص إذا استصعب على الحكومة بسبب ظرفيتها المالية، فحادثة ثانية، لن يتحملها المطار مرة ثانية، وستسحب الشرعية والأهلية الإدارية من الفاعلين أنفسهم؛ لأنه في علم الإدارة الحديثة، لا يمكن الاحتفاظ بالإدارة عند تكرار الخطأ المتوقع، وخارطة التحديات معلومة، فهل فعلا تتوافر الآن إرادة إقامة مبنيي الصيانة والتمويل؟ في بيان الشركة الغريب العجيب التزام بتوسيع الخدمات الفنية المساندة لاستيعاب كل مستجد في الشأن، وإذا حدث مستقبلا أي طارئ، فستتحمل مسئوليته مباشرة بعد هذا التعهد المكتوب والموجه للجماهير.

وكما عنونَّا به المقال، فإنَّ حادثة الإطار تفتح فعلا المخاطر المحدقة بمحافظة ظفار، كما تنكشف لنا الفلسفة التي يتم من خلالها إقامة المشاريع الإستراتيجية الإقليمية، وكذلك ثقل المركزية على التنمية الإقليمية؛ فلو أخذنا مطار صلالة الجديد كنموذج، فسوف نلاحظ أنه قد تم إقصاؤه من إدارة المخاطر المتوقعة والفجائية؛ فقد كانت إقامة مبنيي الصيانة والتمويل ضمن المشروع، لكنهما فُصِلا عنه عند التنفيذ، فمَنْ هُنا نحمِّله المسؤولية كذلك؟!! فالإقصاء قد علا من شأن المركزية في قضايا لا تقبل التأجيل، وهذا النهج -الإقصائي- نجده في مشاريع إستراتيجية كثيرة كذلك إن لم يكن معظمها، مثل انتشار بقعة الزيت في ميناء صلالة للحاويات منذ عدة سنوات، وقد استغرقتْ أيامًا حتى تم السيطرة عليها، وقد وصلت إلى ميناء الصيادين المجاور -وقد كتبنا عنها مقال في حينها- وواقعة بقعة الزيت تعد طبيعة في الموانئ، ويتم التعامل معها بسرعة زمنية فائقة، وليس أياما؛ لتوافر إمكانيات إدارة مثل هذه المخاطر -ربما يكون الآن قد تم تأمينها- ومثالنا كذلك، اعتماد محافظة ظفار على سفينة واحدة تمخر عباب البحار حاملة لها الوقود، فلو هاجت البحار في فصل الخريف أو في حالة الأنواء المناخية،  لتعذر عليها الوصول، وقد حدث فعلا؛ مما شهدنا معه أزمة وقود في عدة فصول خريفية، فلماذا لا تقام محطة للتحلية فيها والنفط قريب منها؟ مثال آخر: عدم تهيئة الأدوية للسيول والفيضانات -لا قدر الله- والاحتمالية قائمة، والخوف منها قد تناولناه في مقال سابق، ففيه حذرنا من انحراف مياهها المتدفقة من مجاريها إلى داخل المنازل القريبة من الأودية. ومثال آخر: قضية الجسور التي تقام حاليا على شوارع تربط الولايات بعضها البعض؛ فقد تم إقامة هذه الشوارع دون جسور، مما يترتب عليها فصل الولايات عن بعضها، وعن حاضرة ظفار، صلالة، ويظل المواطنون منقطعين عن كل دعم أرضي أو جوي، والأرضي يستمر عدة أيام، والجوي حتى تهدأ الأنواء المناخية، وهذا ما يحدث دائما لولايات ظفار الشرقية كمرباط وسدح وحاسك وحدبين. ومثال أخير: مشروع الصرف الصحي،؛ فقد أقيم هذا المشروع دون خط رديف مواز معه للزوم للطوارئ، والآن يتم إقامته كمشروع مستقل يكلف الملايين على عكس لو المشروع ضمن المشروع الأصلي، وأهميته تكمن في إنقاذ صلالة من إغراقها بمياه الصرف الصحي والأمراض في حالة إذا تعطل الخط الأساسي.

مُشكلتنا هنا أنَّ المشروع الواحد تتجزَّأ مقوماته إلى عدة مشاريع وبمبالغ كبيرة يمكن أن تستفيد منها التنمية الشاملة. ومن هنا، تظهر التكلفة المالية للمشاريع مكلفة جدا؛ إذاً علينا أن ننظر لانفجار إطار الطائرة من ذلك المنظور العام حتى نتأمل في النهج المشترك للمشاريع التنموية الإقليمية التي تتدخل في لحظاتها الأخيرة أيادي القص المزاجية بناء على رغبات الوزراء بعيدا كل البعد عن الشراكة المؤسساتية رغم توافر السيولة المالية، نهج واحد، يعبِّر عن فكر مشترك ومعَّمم، ومكلف ماليا، ورغم ذلك يجعل مشاريعنا الإقليمية متحكمة فيها المركزية، لذلك ما يحدث في المطار سيتكرر في المشاريع الأخرى، فلو سألنا إدارات المشاريع الإستراتيجية -نضيف هنا بعض المشاريع الإقليمية المهمة كالصحة والإذاعة والتلفاز والاتصالات- هل تتوافر لديها الإمكانيات اللازمة لإدارة المخاطر بأحجامها المختلفة؟ سيتعرَّى وضعها؛ ففعلا، حادثة إطار تفتح المخاطر في محافظة ظفار، فهل من مُستدرك لها قبل فوات الأوان؟ وربما يكون الوضع في ظفار مشابها في كل محافظات البلاد.