خلفان الطوقي
للمحافظة على ما تمَّ من تنمية وتطور في عُماننا الحبيبة ولضمان استدامة هذا التطور، فإنِّه لابد لنا أن نفكر كشباب حظي واستفاد مما وفرته لنا الدولة وندعم ونخطط ونعمل معاً ﻹيجاد حلول وآليات تتناسب والمتغيرات الحاصلة في وقتنا الحالي وأهمها اﻷزمة الاقتصادية نتيجة تذبذب أسعار النفط وتأرجحها في حدود الأربعين دولاراً بعد أن تجاوزت المئة دولار للبرميل، فمثلما تفاعلنا عندما تجاوز سعر البرميل أكثر من مائة دولار ، علينا أن نتأقلم ونتعاطى مع سعر البرميل الحالي، والتأقلم يعني أن تكون هناك إجراءات تصحيحية.
فاﻹجراءات لا تقف عند عشرات المنشورات المالية التي أصدرتها وزارة المالية في العام الماضي وأكملتها في هذا العام، فمن وجهة نظري المتواضعة أنَّ اﻹجراءات التصحيحة هي حزمة إدارية واقتصادية وليست مالية فقط، وفي هذه المقالة سأركز على الجوانب اﻹدارية فقط والسبب يعود إلى أنني كتبت وكتب غيري عدة مقالات عن الحزمة الاقتصادية، وأشبع الموضوع طرحًا وتذكيرًا، وأتوقع أن حزمة اﻹجراءات الاقتصادية وصلت للأجهزة المعنية.
الإجراءات الإدارية التصحيحية التي أود اقتراحها على الحكومة الموقرة بشكل مُختصر تتضمن عدة نقاط وأهمها: العمل بجدية وبجرأة لتطبيق وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب على جميع موظفي الدولة وعلى كافة الدرجات الوظيفية دون استثناء وإزالة العوالق التاريخية، بأنّ هذا الموظف أو ذاك "مسنود" ولا يمس بأذى، وبث مفاهيم مدنية ومؤسسية وهو أن المؤسسة الحكومية ليست ملكية فردية بل الهدف من وجودها هو خدمة المراجعين مواطنين ومُقيمين، وأنّه لا مكان للكسالى واﻹتكاليين والمعرقلين فيها، فهناك من الجادين من هو أحوج للوظيفة التي يشغلونها في حال استمرار تبرير كسلهم وإتكاليتهم.
وتكملة لحزمة اﻹجراءات اﻹدارية المُقترحة تكمن أيضًا في وضع أهداف قابلة لقياس أداء الموظف والمسؤول بحيث تكون آلية المُحاسبة مبنية على أسس متفق عليها منذ البداية، وليس على قرارات نابعة من اﻷمزجة الشخصية والتفرد في القرار، ولتعميق مبدأ دولة المؤسسات كان لابد من اقتراح تنمية الحوار المجتمعي؛ خاصة في القضايا التي تخص القرارات التي لها علاقة بالمجتمع، وتزيد أهمية الحوار المجتمعي مع تنامي وانتشار اﻹعلام الإلكتروني وسهولة الوصول لأكبر شريحة من المجتمع، ولنستذكر التاريخ ولنعود بذاكرتنا قليلاً إلى الوراء، سنجد أن هناك بعض اﻹخفاقات في بعض المشاريع التنموية كانت بسبب اتخاذ قرارات فردية أو شبه فردية وعدم إشراك المجتمع مما أدى لتحديات ندفع ثمنها ماديًا ومجتمعيًا ولأوقات طويلة.
ولا يُمكن للحزمة اﻹدارية أن تكتمل ولا يُمكن أن نصل للحوار المجتمعي الناضج ما لم يكن هناك حوار داخل المؤسسة الحكومية الواحدة، وكسب ثقة الموظفين وتمكينهم واحتضانهم وإشراكهم في القرارات، فالطبيعة البشرية تقدر من يُقدرها، والابتعاد عن مبدأ استحواذ المسؤول الحكومي على عشرات العضويات داخل وخارج جهة عمله وتمركز المناصب لشخصيات بعينها، حيث أثبتت جميع المدارس اﻹدارية أنه لن يكون هناك ضرر في إشراك عقول الكفاءات ومنحهم الفرصة للمشاركة الإيجابية ليكونوا عونًا ودعمًا للقرارات المتخذة، وضريبة تهميشهم دائمًا تكون أغلى بكثير من تمكينهم، وبإشراكهم سنجنب القرارات الجوهرية أي أخطاء تذكر، فمن المعروف في حال إشراك عقول مختلفة سينظر للموضوع المطروح من جوانب مُختلفة تقيه أو تقلل من إخفاقه.
الحزمة اﻹدارية أيضًا في هذه المرحلة على وجه الخصوص تتطلب تفعيل التنسيق بين الجهات الحكومية وتعاونها في إقامة بعض الفعاليات والندوات والحملات والمناشط، بمعنى ألا تقوم جهة لها علاقة بموضوع مُعين بمفردها، بل يمكنها أن تتعاون مع من تتشابه معها فكرياً وإداريًا وماليًا ولوجستيًا في إقامة هذا النشاط على أن يكون التركيز في جوهر الحدث، بعيدا عن الممارسات السابقة التي تركز على البهرجة واﻹعلام والبذخ والتباهي الذي يستنزف الميزانية المخصصة والجهود البشرية التي تعمل في هكذا فعاليات، ويتحول التركيز في الشكليات هو اﻷصل ويصيح الجوهر ثانوياً، وتوريث مثل هذه الممارسات للجيل اللاحق، وتصبح كأنها من العادات والتقاليد بغض النظر عن الوضع المالي.
الأزمة المالية أصبحت واقعاً علينا التأقلم والتعايش معه، والتأقلم يعني مواجهة التَّحديات وتحويل تحدياته إلى إجراءات تصحيحية واجبة التنفيذ، ليصبح فرصا تضمن اكتمال مسيرة التنمية، فاﻹجراءات التصحيحية ليست بالتقشف في الصرف الحكومي ورفع الرسوم على الخدمات وتقليل اﻹنفاق الحكومي التي ستزيد من الانكماش الاقتصادي، بل أراها ستكون أجدى باﻹجراءات الاقتصادية وتطبيق الحزمة اﻹدارية المقترحة أعلاه.