لهذا نحبك يا قابوس

 

 

د. عبد الله باحجاج

 

ساعات قليلة، ويطل علينا يوم عمان المجيد، يوم العيد الوطني (46)، وقد اخترنا في مقالنا اليوم الإجابة عن تساؤل قديم/ جديد، يطرح علينا أثناء مشاركتنا في الندوات والمؤتمرات الخارجية، بحسن وسوء نية في آنٍ واحد، وهو مطروح كذلك من قبل الأشقاء العرب والخليجيين عبر التواصل الاجتماعي، وهو ما يعبر عنه تساؤل المقال، أي عن سر العلاقة بين القائد وشعبه، وقد وجدنا في عشية احتفالاتنا بالعيد الوطني المناسبة المواتية لطرح الموضوع من منظور المنجز الحقيقي الذي نتميز به، ويميزنا عن الآخرين، ويغبطوننا عليه، وقلة يحسدوننا عليه، نذكر به أنفسنا، لعلّ الذكرى تنفع المؤمنين به، ولعلها تصوب بعض المسارات الخاطئة في إدارتنا للأزمة المالية الراهنة.

سنتناوله كشاهدي عيان عليه، بعيدًا عن التنظيرات السياسية، وبعيدا عن التمجيد والتبجيل مع كل دقات طبول الأفراح المعتادة، ونحن هنا، لا نصادرها، ولكننا ملتزمين بتقديم رؤية نفاذة في كل مقالاتنا، رؤية تبصيرية أو توعوية أو تصحيحية أو تضع النقاط فوق الحروف، وصولا للحلول القابلة للتطبيق، سنتناولها من منظور الإجماع عليها، لأنها تمثل الجانب العقلاني وليس العاطفي في محبتنا لقائد عمان، إذن، لماذا حبنا لك يا قابوس مستدام وخالد؟ هل بسبب الكاريزما الاستهوائية أم خطبه التاريخية التي تبهر العقول؟ وهل بسبب المستوى التعليمي العالي وفي أرقى الجامعات العالمية، كجامعة سنت هيرست وتكويناته العسكرية والمدنية المتعددة؟ إنّها مقومات - ذاتية وموضوعية - شكلت من سلطاننا قائدا، وأصبغت كاريزمته باستهوائية  اجتماعية لافتة، إلا أنّ صفة الخلود في هذا الحب يأخذ عمقه من إنجازات هذه القائد في ظرفيتها الزمنية التي انبثقت منها، ففيها كان مجيئه للحكم في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970، حاملا أنوار الهداية السياسية قادت الدولة والمجتمع إلى سلوك الطريق الأصح في العتمة السوداء التي دخلتها بلادنا خاصة والمنطقة عامة، وكادت تغطي سوادها المنطقة بأسرها، عتمة شطرت البلاد بين داخل وساحل، فجاءت الأنوار لتوحدها تحت مسمى وطني واحد، هو سلطنة عمان، عتمة جعلت الأخ يحارب أباه، والابن يقتل أخاه، فجاءت الأنوار لتوحد الأسرة الواحدة، وترفع شعار التسامح والتنازل عن حقوق الدم التي استباحتها العتمة السوداء، وتوجتها بشعار "عفا الله عمّا سلف" فوحدت البشر والتراب، وأعلت من شأن المصير الواحد، والشأن المشترك، في إطار دولة جامعة، وسلطة واحدة، أعداؤها في الداخل (صفر) وفي الخارج (صفر)، فهل عرفنا لماذا يحب الشعب قائده؟

ربما علينا أن نضيف ملامح أخرى للاستدلال بها عقلانيا، ليس من منظور ذلك الإعجاز الذي تحقق داخليا، وإنما كذلك خارجيا، فمنهج القائد الحيادي وسياسته التي تجنح عن التوترات والاحتكاكات الإقليمية والدولية، قد حصن الوحدة الترابية والديموغرافية والسلم الاجتماعي، وفي الوقت نفسه، مكن دول المنطقة من مساعدتها في تجنب حروب ونزاعات عسكرية محتملة، أو وقفها، كأزمتي الملف النووي الإيراني، وأمس الأزمة اليمنية عبر الاتفاق على وقف إطلاق النار، مما جعل من مسقط عاصمة للباحثين عن السلام، وجهة تشد إليها رحال الفرقاء بعد أن تكون الحروب قد انهكتهم واستنزفت مواردهم وسالت دماء أبنائهم، ويأخذ تلك الصفة خلودها كذلك، من جرأة العقلانية العمانية في القضايا الخليجية، فلم تكن لاءاتها الشهيرة، (لا) للاتحاد الخليجي، (لا) لضم أشقاء من خارج البيئة الخليجية المتناغمة والمنسجمة ديموغرافيا وتاريخيا سوى تعبير عن استشراف عميق بتداعيات الانتقال غير المحسوب للاتحاد، وبالضم غير المنسجم مع البيئات الخليجية؛ والنتيجة اقتناع الدول الخمس أخيرًا بالرؤية العمانية التي تصر على تحقيق التكامل الاقتصادي أولا، فجاءت قمة الرياض التشاورية الأخيرة، لتعلي من شأن الرؤية العمانية التكاملية أولا قبل الوحدة الاندماجية السياسية.. عبر موافقتها على إقامة هيئة تعني بالشؤون الاقتصادية والتنموية، تتكون من شخصيات قريبة ومؤثرة في صناعة القرار، لتسحب البساط من اللجان الوزارية العديدة التي أغرقت العمل الخليجي المشترك في البيروقراطية القاتلة، وقد عقدت هذه اللجنة أولى اجتماعاتها مؤخرا في الرياض، نجم عنها تحديد خمس أولويات عاجلة للتكامل الاقتصادي الخليجي، بطموح جديد، وهو جعل الاقتصاد الخليجي في المرتبة السابعة عالميا، ولو استجاب الأشقاء للتنظيرات العمانية، لربما نكون الآن قد وصلنا للتكامل، ويصبح الحديث عن الوحدة، تحصيل حاصل، لكن، كيف سيحقق الخليج الآن طموحاته الاقتصادية في ظل الأزمة النفطية؟ والقطار الخليجي أنموذجًا.

هل من خلال ما تقدم، عرفنا، لماذا يحب الشعب العماني سلطانه – عقلا وعاطفة؟ لأنّ أنوار هدايته السياسية قد تجاوزت الوطن إلى الإقليمية والكونية، هي إنسانية عالمية من منطلقات عمانية، حضارية بامتياز، وبالتالي لم تكن لها جغرافيا محددة، ولا ألوان سياسية معينة، ولا أيديولوجية إقصائية، فالحق المشترك، هي للصفة الإنسانية الجديرة بأن تنعم في سلام وأمن وازهار بعيدا عن الحروب والتوترات، والجديرة أن تسخر خيرات دولها الاقتصادية على شعوبها، هذه التجربة نحن في أمس الحاجة الآن إلى تذكير أنفسنا بها، وجعل أسسها و منطلقاتها مرجعية حاكمة للتحولات والمتغيرات الاقتصادية التي تشهدها بلادنا حاليًا منذ منتصف عام 2014 بسبب انهيار أسعار النفط، فأسسها و منطلقاتها قد صنعت لنا السلم الداخلي، وجعلتنا نساهم في صناعة السلام للآخرين، فهل نعض عليها بالنواجذ أم نجنح لإملاءات البنك وصندوق النقد الدوليين؟ والجنوح سيدفع بنا إلى المجهول، فكيف نتجه إليه، وعندنا خارطة طريق آمنة، ستخرجنا من العتمة السوداء الجديدة، كما أخرجتنا من القديمة، بلادنا أمانة في أعناق من يدير الأزمة المالية، الحالية، وندعوهم أن يضعوا في نصب اهتماماتهم منجز القائد المؤسس، دولة عصرية، واحدة في مساحتها،  ومتحدة بديموغرافيتها، ومتعايشة مع تعددها الفكري، ومتسامحة في إطار إقليمها الجغرافي، ومتفاعلة في كونيّتها، محبة للسلم الداخلي، وللسلام الخارجي، قوتها النووية ديموغرافيّتها، فلا تمسوها برسومكم المالية المتصاعدة، ولا برفع الدعم الحكومي غير المحسوب عن الشرائح الاجتماعية، ولا بثقل الضرائب المقبلة حتى لا تحول ولاءاتها وانتماءاتها من فوقية إلى رأسية، حفظ الله بلادنا، وقائدها، وأدام الحب الخالد لسلطاننا القائد، وأرشد وزراءنا لما فيه ديمومة أمننا واستقرارنا.