الحكم المحلي .. واستحقاقاته الغائبة

 

د. عبد الله باحجاج

عندما كنت أتأمل في نشوء الظواهر السلبية، كظاهرة المُخدرات بما فيها القات، والتَّسرب من المدرسة، والشيشة، والتَّدخين .. في صفوف الأطفال والشباب، وتزايدها من منظور الجهوية الجغرافية القابع فيها، تساءلت عن دور السلطة الحكومية المحلية، مُمثلة هنا في مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار، وإداراته الجهوية المُنتشرة في مختلف ولايات المحافظة، وكيف لم تنقل المجتمع من وضعية اللامبالاة بها إلى العمل على حلها معه كشريك لا غنى عنه؟ وإذا لم تقم بهذا الدور، فمن ينبغي أن يقوم به أصلاً؟ إذن، هل الخلل في الصلاحيات أم عدم ممارستها بكفاءة وفعالية؟ ومتى كانت آخر مرة، تمّ فيها تحديث وتطوير صلاحيات الحكم المحلي، وتغيير أطره وكوادره لكي تستجيب للمُتغيرات والتَّحولات الديناميكية المتسارعة التي تطرأ على المجتمع؟.

والنموذج الذي نُقدمه هنا- الحكم المحلي في ظفار- يسري ويُعمم على كل محافظات البلاد، فالسلطات المحلية الحكومية فيها، ينبغي أن يعزز دورها الاجتماعي في ضوء طبيعة المرحلة المُقبلة التي لن تكون كسابقتها، فهى حاملة لمجموعة كبيرة من التَّحديات والإكراهات الاجتماعية الاجتماعية والاجتماعية السياسية بسبب انفتاحنا الإقليمي الجديد من جهة وبسبب نشوء ديناميات/ قوى جديدة من جهة ووقوف قوى ضد التَّطور ومحاولتها احتكار كل التَّفاعلات الاجتماعية التي تظهر فوق السَّطح، كحق امتياز مُقدس لها من جهة ثالثة، وكذلك ماهية المرحلة الدولية الجديدة بعد عودة الحزب الجمهوري للرئاسة في أمريكا – سنتناوله في مقال خاص- مضامين هذه القضايا تدفع بنا إلى التفكير في البحث عن الدور الاجتماعي للحكم المحلي في المُحافظات، إذ إنّ انتظار كل مجتمع محلي أن يأتي الحل من المركز، قد أضعف هيبة السلطات المحلية، بل حتى المركزية، لأنَّ الحل قد يأتي متأخراً و قد لا يأتي، مما يجعل الظواهر تتوالد وتتكاثر تحت مظلة السلطات المحلية، مثال مؤسسة الوالي ما هو دورها مثلاً في مكافحة القات داخل إدارتها الترابية؟ كل الاعتماد فقط على الأجهزة الأمنية - وقد تناولنا مؤسسة الوالي في مقال قديم، وسوف نجدده لاحقاً في ضوء الأفكار الجديدة – فدورها تقليدي نمطي لم يتطور مع التطورات الديناميكية التي تشهدها البلاد في إطار إطارها الإقليمي والعالمي، وهناك حالة شعورية غريبة، قد لمسناها على صعيد كل تراب محلي، وهي أنّه كلما ابتعدت السلطة المحلية وأطرها وكوادرها عن الرقابة والمساءلة المركزية، كلما أثر ذلك على القيام بدورها داخل المؤسسات، لن ندلل بنماذج حتى لا نقع في التخصيص الذي يؤدي إلى التشهير، وإنما هي حالة ننقلها بصوت مرتفع من واقع تتبعنا لها جهويًا، وما نشوء الظواهر سالفة الذكر واستمرارها حتى الآن وبصورة متصاعدة إلا نموذجا لغياب أو تغيب السلطة، ونقصد هنا السلطة الإقليمية أو السلطات الجهوية التابعة لها عن قضايا المجتمع.

وفي إطار، هذا التأمل العميق، والصريح، نرجع تلكم الاختلالات البنيوية إلى انعدام المشاركة الشعبية في تلك السلطات، وإن وجدت فهي غير فاعلة بحكم صلاحياتها، ونرجعها كذلك إلى اعتماد هذه السلطات أساليب تقليدية ونمطية متراكمة في تسيير أعمالها اليومية، فهي سلطات تسيير أعمال يومية، وإشرافية وفي نطاقات محدودة على اعتبار أنَّ هناك فروعاً لوزارات في الكثير من المحافظات، وهذا ما يحدث ثغرات وفراغات لم تعمل الحكومة على ردمها حتى الآن، ولو حللنا الكثير من صلاحيات مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار – نُكرر، نقدمه هنا كنموذج – فسوف نجد أنَّ الكثير منها لم تعد صالحة زمنيًا، فهي أما قد سحبت منه إلى أجهزة شعبية، أو يفترض أن تسحب منه، بحكم التطورات السياسية الداخلية في بلادنا، أو من صلاحيات فروع وزارات في المحافظة، مثال، صلاحية الوقوف على شؤون المواطنين بالمحافظة والعمل على توفير احتياجاتهم وفقاً للنظم المتبعة، فهذه من صلاحية المجلس البلدي، وقد يقال إنها استشارية، وهنا نتساءل، هل السلطات الحكومية الإقليمية مرئياتها إلزامية أم تخضع لمنطق الأولويات الوطنية الذي نرى أنّه آن الأوان لوضع ضوابط حاكمة له حتى نقصي الأمزجة والأهواء المركزية – إن وجدت – وكذلك صلاحية تحديد استخدامات الأراضي في المحافظة بالتنسيق مع الجهات المختصة، وصلاحية العمل على توفير مياه الشرب بما يتناسب والتوسع العمراني والنمو السكاني وفق الخطط التنموية بالمحافظة، وحتى صلاحية الإشراف والرقابة والمتابعة لجميع أعمال بلدية ظفار ينبغي أن تكون من صلاحية المجلس البلدي وليس المكتب، فلا يُعقل أن تراقب وتحاسب السلطة الحكومية نفسها، تلكم كانت أبرز صلاحيات الحكم المحلي في محافظة ظفار، وهي صلاحيات مهمة دون شك، لكن هل تعد صالحة للمرحلة الراهنة وآفاقها المقبلة؟ .

لن نتحدَّث هنا عن حتميات تطوير وتحديث صلاحيات الحكم المحلي في المُحافظات، فهي قد أصبحت معلومة بالضرورة الآن، لكننا سنقترح آلية جديدة تجعل مؤسسة الحكم المحلي في المحافظات تعيش مع قضايا مجتمعاتها، إدارة، ومعالجة، وضمانة لديمومة السلم المجتمعي الإقليمي، وهي إنشاء لجنة أو هيئة في كل محافظة تضم شيوخ وأعيان ومفكري وخبراء كل محافظة من محافظات البلاد، تحت إشراف مباشر من المحافظين، بهدف إضفاء الصبغة الشعبية على الحكم المحلي، تكون لها مهام عديدة، أبرزها، الإشراف على المدارس في كل محافظة بالتنسيق مع الإدارات التعليمية فيها، فوضع المدارس الآن يحتاج وعلى وجه السرعة إلى مرجعيات عليا من المجتمع، لمساعدة الإدارات التعليمية، لتصحيح ما يمكن تصحيحه فورًا، والمساعدة على الضبط والانضباط داخل المدارس، والاطلاع عن كثب على كيف يتأسس ويتأطر أبناء مجتمعاتهم، وتتولى كذلك العمل على حل الظواهر داخل مجتمعاتهم المحلية، وتقدم مقترحاتها للمُحافظين في كل ما يتعلق بالشؤون العامة للمجتمعات المحلية خاصة تلك التي تثير احتقانات بين كل فينة وأخرى، وتقف السلطة المحلية الحكومية متفرجة عليها، وربما تتطور هذه التجربة، وتفتح لنا آفاقاً رحبة للشراكة الحكومية والمجتمعية الجديدة، فهل ستنفتح الحكومة على الشركاء الاجتماعيين لكي يحلون مشاكلهم بأنفسهم داخل إطار قانوني، ووفق أجندة الدولة الإستراتيجية بشراكة السلطات المحلية الحكومية؟ وإلا، فما هو البديل؟ التفاعلات في تزايد، وقد تدخل المجتمع في عمومية الفعل وردة الفعل، وقد تمس السلم المجتمعي، ومن ثم لابد من تفعيل الدور الاجتماعي للسلطات المحلية الحكومية في حل الظواهر والمشاكل الاجتماعية أو إدارة التفاعلات الاجتماعية في وقتها وبما يحافظ على هيبة السلطة.