العمل الخيري.. بناء مسجد أم مستوصف؟!

 

 

 

خلفان الطوقي

لاحظتُ أنَّ مُعظم المقتدرين من التجَّار واﻷفراد في مُجتمعنا، سعيُهم وجل أولويَّتهم بناء مسجد؛ تطبيقاً لقول رسولنا العظيم -صلى الله عليه وسلم- "من بَنَى مسجدا في الدنيا، بَنَى الله له قصرا في الجنة"، فقرَّرتُ أن أسالَ من هُو أفقه مني في الدين عن لو تمَّ تخصيص نفس هذه المبالغ لعمل خيري آخر؛ مثل: مستوصف في منطقه نائية، أو مدرسة للمتفوقين من المعسرين، أو معهد مهني لتدريب الشباب، أو مشغل في الولايات لتعليم الخياطة والتطريز لربات البيوت، فهل له نفس أجر بناء قصر في الجنة؛ فجاءت الردود جميعها إيجابية؛ مما شجَّعني على الكتابة في هذا الموضوع.

تعودُ رغبة مُعظم المقتدرين في بناء المساجد استنادا لحديث رسولنا الكريم أعلاه، وأيضاً لسهولة إقناع وزارة اﻷوقاف والشؤون الدينية، ووجود آلية واضحة لمن أراد القيام بهذا العمل الخيِّر، وتحديد الوقف اللازم لصيانته وتجديده، وتعيين إمام ووكيل له، كما يُمكنه من تسميته الاسم الذي يراه مناسبا على هذا المسجد.

تنتشرُ في اﻷوساط العالمية والعربية والخليجية مشاريع وجوائز تحملُ أسماءَ عائلات ومجالات تهمُّ ويتفق عليها المجتمع؛ فعلى سبيل المثال: الصندوق المجتمعي للأمريكي بيل جت وزوجته ماليندا، ومؤسسة عبدالحميد شومان الخيرية في اﻷردن، وجائزة عبدالعزيز آل سعود البابطين في دولة الكويت، ومؤسسة ماجد الفطيم الخيرية في دولة الإمارات العربية المتحدة، أو مؤسسة سعود بهوان الخيريه كمثال آخر في عُمان، والآلاف من المؤسسات الخيرية التي تحمل أسماء عائلاتهم هنا وهناك، واهتماماتهم أصبحتْ أكثر من بناء مسجد فقط، بل أصبحت تحمل خاصية الحداثة والتنوُّع والاستدامة واﻷولوية والحاجة والمتطلبات الملحة المجتمع.

العديد من التجار العُمانيين يرغبون في القيام بمبادرات مجتمعية ونوعية كإنشاء جائزة بحثية للمجال الذي يَرَى له أولوية في المجتمع الذي يعيش فيه، أو إطلاق مبادرة علمية للشباب أو نشر حملة لنظافة الشؤاطي وحماية البيئة، أو أن يتكفَّل بعدد مُعيَّن لمِنَح البكالوريوس، أو إنشاء وحدة للكلى أو القلب في إحدى فلله وتحمُّل نفقاتها حسب مُواصفات واشتراطات وزارة الصحة.. هذه فقط أمثلة؛ حيث إنَّ هناك عشرات المبادرات المجتمعية تتبادر إلى أذهان أصحابها على أن تحمل هذه المبادرة اسمه أو اسم عائلته أو منطقته.

ألم يحن الوقت لمجلس الوزراء الموقر والجهات المعنية اﻷخرى أن تُعيد النظر وتقييم اﻷسباب التي تجعل إطلاق مئات المبادرات أمرًا صعباً، وتعيد تقييم المزايا التي يُمكن أن تجلبها المشاركات المجتمعية اﻷسرية من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية، وتجاوز المخاوف والهواجس، ووضع الأنظمة والقوانين التي تحدُّ من التجاوزات خاصة القبلية والطائفية؟! ألم يحن فتح الباب أمام المشاركة الفعلية والحوار بين الطرفين؟!!

وبما أنَّ هناك مُبادرات محلية خجولة إلا أنها وتأثيرها اﻹيجابي، لا ترقى للمجتمع الخيري العُماني المعروف عبر الزمن؛ فلماذا لا نعيدها ونطبِّقها مع باقي التجار المبادرين الخيريين -وما أكثرهم- حيث إنَّ مُقترحي هذا يتطلب إعادة النظر والتقييم والحوار بين الطرفين، وليس فتح الباب على مصراعيه كما يتوقع البعض، ولكن وفق ما يتوافق مع القوانين واﻷهداف ويخدم المصالح العليا للسلطنة!