عبدالله العليَّان
خلال حُكم الديمقراطيين للولايات المتحدة في فترة الرئيس أوباما لفترتين رئاسيتين، تراجعتْ السياسة الأمريكية كثيراً عن مواقفها التي اعتادتها في مُواجهة الاتحاد السوفييتي آنذاك قبل تفكُّك المعسكر الاشتراكي، وكذلك في فترة روسيا الاتحادية، التي ورثت هذا النظام بعد خُروج الكثير من هذا المنظومة السوفييتية، ومع الغزو الأمريكي للعراق 2003، لم تتحرك روسيا لوقف الغزو، وقبل ذلك عندما وجَّهت الولايات المتحدة ضربات للنظام الصربي في حرب البوسنة والهرسك في أوائل التسعينيات من هذا القرن، كان موقف روسيا مهادناً إلى حد الاستغراب! مع أنَّ صربيا التي ورثت يوغوسلافيا، والعراق، لا تقل عن العلاقة بين روسيا وسوريا، لكن في الأزمة السورية، فإنَّ روسيا تحدَّت أمريكا في سياستها، واتخذت مواقف قوية في وجهها؛ سواء في استخدامها للقوة المفرطة تجاه الآمنين السوريين في منازلهم، أو رَفْضها للكثير من الاتفاقات الثنائية، تحت ستار أنها تحارب الإرهاب، وتَعْرِف الولايات المتحدة أن روسيا تعتبر الجميع من المعارضين للنظام السوري الحالي إرهابيين، مع المعارضة السورية، وتضم كافة التيارات السياسية، بمن فيهم الماركسيون والقوميون والليبراليون، وهذا يعني أنَّ المعارضة المتطرفة هي أصغر معارضة موجودة، والتي يراها البعض من مخرجات بعض الجهات، بما فيهم النظام السوري نفسه.. فما هو السر في تضعضع المواقف الأمريكية؟ ولماذا برزت روسيا كطرف أقوى في هذه الأزمة؟!
يَرَى البعض أن روسيا ربما عرفت أن إسرائيل تريد أن تبقى الأزمة السورية كما هي متأرجحة، لربما يأتي نظام بعد الرئيس بشار أكثر راديكالية، ويقلق إسرائيل ويكسر الهدوء في الجولان المحتلة، والبعض الآخر مع أنَّ الولايات المتحدة تعبت من الحروب والتوترات التي تمسها مباشرة، وتريد الابتعاد عن الدخول في الصراعات المباشرة الكبيرة، وهذا ما جعلها تتراجع حتى سياسيًّا عن مواجهة روسيا في مشكلات عديدة في السنوات الأخيرة؛ مما جعل البعض من أعضاء الكونجرس ينتقد سياسة أوباما وإدارته، بسبب التراجع، وعدم اتخاذ مواقف تجاه الممارسات الروسية والسورية نحو المواطنين السوريين في القتل اليومي للسكان، مع تنظيم "داعش" وأنصاره ممن يتمركزون ويحتلون معسكرات كاملة، ومع ذلك لا يتم استهدافهم بصورة جدية!
وبعد فوز الجمهوريين، في الانتخابات الأخيرة قبل أيام، يرى البعض أنهم لن يسكتوا عن المواقف الروسية الحالية في سوريا، وسوف تكون لهم مواقف أخرى مختلفة، على الرغم من الكلام الذي يتم تداوله عن العلاقة الخاصة بين الرئيس بوتين وترامب، وكانت السياسة الأمريكية كما عُرفت تتحرك وفق إستراتيجيها السياسية والعسكرية -إذا أرادت، كما يقول الباحث بسام رجا- تحت شعار "حماية الأمن والاستقرار". إنَّ الحديث باسم "هيئة الأمم" الخاضعة بكُليتها لواشنطن يمنع بروز قوة عسكرية منافسة لأمريكا؛ فالمفهوم الجديد للأمن تجسده الولايات المتحدة في الانتقائية في القرارات وتطبيقها، ويفرض عبر القوة ويزداد شراسة في رعاية الأحلاف العسكرية فيصبح "حلف شمال الأطلسي" الذي تقوده واشنطن المرتكز الأساسي "للاستقرار" في العالم حسب الرؤية الإستراتيجية الأمريكية، وبهذا تكرس الولايات المتحدة مصطلحاتها لتحقيق مصالحها في العالم، ما دامت هي المتحكمة بالقرار وصاحبة إصدار "لائحة" الاتهام لأي دولة أو شعب غير منصاع لها، وإلا عصا "الشرعية" ستضربه في كل لحظة، وتكيل له الاتهامات؛ ليقف في "قفص الشرعية". وفي ظل غياب الردع للهيمنة الأمريكية ظهرت الدعاوى الأمريكية من قبل مروجي سياسة القوة. فكان في هذا الصدد ما كتبه فرانسيس فوكوياما 1989، حيث أعلن نهاية التاريخ بعد أن انهار الاتحاد السوفييتي. ويرى الكاتب في مقاله الذي طوره ووضعه في كتاب حمل عنوان "نهاية التاريخ والرجل الأخير"، أنَّ انتصار ما أسماه بالديمقراطية الليبرالية على الماركسية اللينينية، واصفاً بالحدس "نهاية التاريخ" عبر استخلاصه من رؤية ماركسية للتاريخ، كونها تطورا ديالكتيًّا ومن الرؤية الهيجلية، والتي بحسبها؛ فالتاريخ يتغير عن طريق حل التناقضات بين الفرضية ونقيضها، لكنه يدعي أن الإنسان الأخير في التاريخ سيكون أمريكيًّا".
العادة أن الجمهوريين لهم روية معروفة في تاريخهم السياسي، فهم لا يقبلون بالتنازل عن التفوق الأمريكي، تجاه الخصم، أيًّا كان هذا الخصم، والديمقراطية الأمريكية تهبهم هذه الشرعية والمكانة الدولية، تجعلهم يتحركون بقوة لرسم معالم سياسة العالم.. فهل نتوقع خطوات لفرض الرؤية الأمريكية تجاه الكثير من الملفات العالقة؟!