د. عبد الله باحجاج
هل كان التفكير في فرض ضريبة القيمة المضافة في بلادنا خاصة ودول مجلس التعاون عامة قبل الأزمة النفطية الراهنة أم بعدها؟ الإجابة عن التساؤل سيحدد لنا الأبعاد والخلفيات السياسية لهذا النوع من الضرائب، وكذلك سيضعنا أمام مفارقة غريبة، يعبر عنها التساؤل التالي، كيف نتفق مع بقية الأشقاء في الخليج في فرض ضريبة القيمة المضافة في ظل تباين مستويات المرتبات، والامتيازات المالية والمعنوية الأخرى؟ ماذا فعلنا للمجتمع حتى نحمله ما لم لن يتحمله أبدا لو فرضنا عليه الضريبة الجديدة؟ هل لدى الفريق الحكومي المكلف بإدارة الأزمة المالية علم بالتداعيات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة حتى تكون لديه خلفيات بخطورة القادم في عهد الضريبة الجديدة؟
القضايا التي تطرحها تلكم التساؤلات تشكل حديث الساعة، والوقت لا يزال متاحا لبلادنا لكي تنفتح عليها، فهى لا تزال في مرحلة التحضير للتطبيق، صحيح أنها قطعت فيها أشواطا كبيرة، ولديها التصور النهائي، لكن الوقت لا يزال متاحا، وحتى لو كنا في اللحظة الأخيرة، فالوقت لابد أن يتمطط إذا كان سوف يدير إكراها، أو يحيل دون انفجار احتقانا، فكيف لو علمنا أن الموعد المقرر لتطبيق الضريبة على مستوى الخليج سيكون عام 2018 ولماذا خليجيا؟ لأن الفكرة جماعية، والتطبيق سيكون مشتركا وموحدا، ربما لتجنب كل دولة الحرج الاجتماعي، وربما لكي تبعث برسالة التوجه المشترك، ولأنّ هناك أيضًا إجراءات وترتيبات لابد أن تتخذ بصورة جماعية لدواعي العمل الخليجي المشترك، وربما يغيب عن الفكر أو تم تغييبه، اختلاف مستويات المرتبات بين الدول الست، وبالتالي قدرتها على تحمل أعباء إضافية، سيتعمق الفارق المجتمعي على مستوى الخليج – كما هو حاصل حاليا – كما أنّ هذه الضريبة لم يكن دافعها الأزمة النفطية الراهنة، فالمعلومات المؤكدة تشير إلى أنّ خيار هذه الضريبة أعمق زمنيا من ربطه بالأزمة النفطية التي تفجرت في منتصف عام 2014، ولو رجعنا لتصريحات مسؤول رفيع وكبير في وزارة المالية المنشورة، وتحديدا في 30 مايو عام 2013، فسوف نجد أنّ التوجهات في بلادنا كانت تقتضي (تطبيق) هذه الضريبة عام 2016، وفي عهد الفريق الاقتصادي السابق، كان الحديث عن الضريبة المباشر منذ عام 2003، وقد عارضناها في حينها في جلسات العصف الذهني التي عقدتها وزارة التجارة والصناعة، وكذلك في عدة مقالات تالية، وكانت معارضتنا تنطلق من أبعاد تاريخية ومعاصرة لتداعيات مثل هذه الضرائب على المجتمع، وهي لا تزال قائمة إذا ما طبقت تلك الضريبة من خلال مبدأ المساواة بين مختلف الشرائح الاجتماعية، وحتى لو راعت التدرج في تطبيقها، وفي القدرة المالية للشرائح، فإنّ الظرفية المالية للأسر الآن، لن تسمح بأعباء جديدة، فوق أعبائها القديمة والجديدة، فهل هناك من يفكر في البعد الاجتماعي؟ تساؤل مكرر من مقالات سابقة، وتكراره تستدعيه الضرورة الوطنية من أجل الاعتداد به، لن نستدعي في المقابل التاريخ لدواعي الاعتداد وذلك لحساسيته الظرفية، لكننا سنركز على أمثلة من واقعنا الراهن حتى نستشرف من خلاله التداعيات في عهد ضريبة القيمة المضافة، فتداعيات رفع الدعم وترشيد الإنفاق وتوقيف الترقيات والتوظيف.. إلخ قد دفعت شركات إلى الاستغناء عن الكثير من الشباب العمانيين، كما افقدت القوة الشرائية للمجتمع - سنتناولها في مقال مقبل – وهي في تصاعد، فكيف لو تمّ تطبيق الضريبة الجديدة في ظل تلكم الأوضاع، وهذه الظروف؟
إذن، هذا النوع من الضرائب كان خيارا استراتيجيا خليجيا قبل اندلاع الضغوطات المالية الراهنة، بهدف صناعة مصادر دخل جديدة ومستدامة، واستبعاد النفط والغاز من مركزيته التنموية بضغوطات البنك وصندوق النقد الدوليين، وقد وجدت هاتان المؤسستان في الأزمة النفطية الحالية الفرصة المواتية لإقناع الدول الخليجية بهذا المصدر المضمون من خلال إقامة نظام ضريبي متكامل يكون مصدرًا أساسيا للدخل، وحتى الآن لم نعرف مجالات تطبيق هذه الضريبة، وحجم استثناءاتها، لدينا فقط، تصريح لأمين عام الضرائب بوزارة المالية يحدد لنا بعض المجالات، وهى الكحول والتبغ ولحم الخنزير والمشروبات الغازية والطاقة، فهل هذه المجالات ستكون حصرية؟ إذا طبقت هذه الضريبة على مثل هذه المجالات، فهذا فعلا سيكون وعيا سياسيا متقدما بالبعد التاريخي، وبالظرفية المالية الصعبة التي يعاني منها حاليا معظم أفراد المجتمع، ووعيا كذلك بإعادة توجيه السلوك الاستهلاكي للمجتمع في مسائل محددة، وفعلا، هناك حاجة عاجلة لهذا الضبط، وكذلك سنعتبره مسعى عقلانيا للحد من تأثير تلك السلع على المجتمع، وبكل تأكيد ستحظى مجالات تطبيق هذه الضريبة بمباركة الكل، بل إننا عندها سنقول، آه لو طبقت هذه الضريبة منذ زمن بعيد، ربما نكون هنا نحلم، فليكن، فكل التطورات الكونية الكبيرة، كانت بدايتها حلم، ثم صارت حقيقية، وهذا الحلم يتناغم فعلا مع ثقل الحمولة الديموغرافية للدولة العمانية ومنظومتها القيمية.
وفي كل الأحوال والحالات، فإنّ تاريخ تطبيق النظام الضريبي في بلادنا، يجعلنا فعلا نتوجس من مسألة تطبيق الضريبة الجديدة، استدلالنا في هذا التوجس، عدم التزام الكثير من الشركات بالضرائب، وكذلك تهاون الجهات الحكومية المعنية في تحصيل الغرامات التي ينص عليها القانون الضريبي، فلم يتم تطبيقها، بشهادة مسؤول حكومي كبير، وما هى حجتهم؟ أوضحها هذا المسؤول بالقول حرفيا، الحرص على تشجيع دافعي الضرائب على الالتزام طوعا، وهذه حجة لا يقبلها المنطق، وضد المصلحة العامة، فكم من أموال قد خسرتها خزينة الدولة نتيجة هذا الكرم الحاتمي، وهذا يفتح لنا نافذة صغير على تبديد أموال الدولة، فكيف نكون كرماء بحق المال العام على شركات ربحية، ونخنق المواطن في أكله وشربه وملبسه.. وتبديد طموحاته؟ الضريبة الجديدة لو طبقت كما يروج لها خليجيًا ستكون بمثابة سيف مسلط على حاضر المواطنين ومستقبلهم، ليس على الطبقة الضعيفة بل والمتوسطة كذلك التي هي صمام الأمان داخل أي مجتمع، ونخص بالذكر هنا (420) ألف عماني يعمل في القطاعين العام والخاص، نصفهم في القطاع الخاص، أغلبهم مرتبات متدنية، ونخص بالذكر كذلك المتقاعدين وفئات الضمان الاجتماعي، أي معظم المجتمع ما عدا الطبقة الغنية التي تحظى بمثل تلك المكارم.
من كل ما تقدم، نقول (نعم) للضريبة الجديدة، إذا كانت على السلع والخدمات التي لا تؤثر على توازنات الطبقات الاجتماعية، (نعم) للضريبة إذا كانت ستعيد أولوياتنا الاستهلاكيّة، (نعم) للضريبة إذا كانت ستفرض من منطلق المقتدر على تحملها، وليس المساواة في فرضها، وما عدا ذلك، فإنّ صور تداعيات السياسات المالية الراهنة تكفينا مؤشرًا على خطورة القادم في مرحلة ضريبة القيمة المضافة، شركات تستغني عن العمانيين، ومحلات تجارية تشتكي من ضعف القوة الشرائية.. وستتوالى التداعيات قبل فرض الضريبة الجديدة، فكيف بعد فرضها؟ وفرضها لا ينبغي أن يكون من منطق البحث عن الإيرادات المالية لخزينة الدولة ولو على حساب التوازنات الاجتماعية، وإنّما مراعاة لها، ومع مراعاة تاريخية توزيع وإعادة تدوير الثروة ومع مراعاة تمتع بلادنا بمقوّمات اقتصادية كبيرة ستشكل المصدر الأساسي والبديل للنفط وليس جيوب المواطنين وطموحاتهم.