خطة إدريس "تنفيذ"

 

علي بن سالم كفيتان

كنتُ أقلب قنوات التلفزة فصادفت حفل تدشين إحدى مراحل مشروع تنفيذ الذي تتبناه الحكومة بالتعاون مع مستشارين من الحكومة الماليزية كخطة إنقاذ بعد انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، لا شك بأنّ الحضور عالي المستوى في الحفل يلفت الانتباه إلى أنّ حكومة السلطنة جادة في التغيير من خلال تعظيم العائدات غير النفطية، وكما يقولون (رُب ضارة نافعة) فإنّ الصدمة التي أحدثتها أسعار النفط دفعت إلى البحث الجدي عن حل نهائي وليس مسكن مؤقت نعيش من خلاله على أمل ارتفاع السعر مرة أخرى.

إدريس هو أول الأنبياء بعد سيدنا آدم وهو أوَّل من علم السياسة المدنية ورسم قواعد التمدن لـ 188 مدينة في عهده عليه السلام وأول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب البيض لقد استحضرت كل ذلك أثناء مشاهدتي لذلك الخبير الملهم من أرض ماليزيا وهو يعتلي المنصة وتلتف حوله عمائم عمانية مخلصة تريد لعُمان أن تصبح النمر العربي الأوَّل الذي يستفيد من تجارب النمور الآسيوية.  

كانت كلمة البروفسور إدريس (مستشار  الحكومة الماليزية) أمام الحفل بسيطة ومُعبرة ومما قال: إننا يجب ألا نلتفت للتَّذمر ولا نتيح المجال للمتذمرين فهم آفة العصر وأعداء التغيير وهم المُغذي الرئيسي للاستسلام والركون لخيبة الأمل ويرسمون الصورة السوداوية ولا يمنحوك حلاً وما أكثرهم في الساحة ففيهم من وجد ضالته في الدعاية للفساد الرابض في عقليتهم المريضة ولم يعلموا بأنّ القفزات الهائلة التي تخطتها السلطنة منذ 45 عاماً ربما تصاحبها اجتهادات غير مدروسة بشكل دقيق من بعض المسؤولين ولا يعني ذلك بأنّ هناك من ينوي التَّربح على حساب الوطن.

وفي الجانب الآخر ذكر البروفسور إدريس أنه لا بد لكل حامل أن تلد فهم في ماليزيا لا يؤمنون بالحمل الكاذب ومحور الكلام كان عن المشاريع المقترحة حيث يرى أن كل مشروع لابد أن يظهر على أرض الواقع وأن يخدم المجتمع وأن يكون تنفيذه محدداً بوقت وإسهاماته جلية في الاقتصاد الوطني وأن يكون قابلاً للمراجعة وأن تدرس تغذيته العكسية بكل دقة مما يعني أنّه قابل للتطوير والمُعالجة مع المتغيرات وهذا ما حتَّم إنشاء وحدة التنفيذ والمُتابعة التي صدر بها مرسوم سلطاني مؤخراً ويصب ذلك في خانة حرص الحكومة على التغيير.

وفي وسط كلامه أشار البروفسور إدريس لمثال في بلاده حيث سأل أحد الصحفيين أحد الوزراء الماليزيين ماذا تفعل إذا لم تنفذ ما رسمته من خطة هذا العام فكانت إجابة الوزير سأستقيل من منصبي في نهاية سبتمبر. وهنا دلالة واضحة على أنّ الأهداف ليست ورقية ولا للاستهلاك الإعلامي بل هي التزام أمام المجتمع فإذا لم تتحقق تلك الأهداف يجب أن يأتي من يستطيع تحقيقها وهذه هي الشفافية التي تُعتبر بمثابة الحصانة بين الناس ومن يملكون مقاليد الأمور في البلاد، وعرَّج على التجربة الماليزية وذكر أنّهم يستعينون بخبراء دوليين ذوي ثقة عالمية في تقييم آليات التنفيذ لضمان الحيادية للمسار الذي ينتهجونه.

وشدَّد المستشار إدريس على أنَّ الأهداف الثمانية لتطوير العائدات غير النفطية في السلطنة مرتبط بمدى التزامكم كعمانيين بما طبخناه في مختبرات (مشروع تنفيذ) بكافة مراحله المنتهية والقادمة ويبدو للجميع أنّ ذلك الالتزام ظهر جلياً في آخر شريحة عرضت في الحفل والتي دمغت بتوقيع عدد من كبار المسؤولين في الحكومة كصك على ما تمّ الاتفاق عليه في هذه الخطة الطامحة.

لن تكون خطة إدريس هي المنقذ إلا إذا اتَّحدنا جميعاً على تحقيق ما نصت عليه وكنّا أمناء على تنفيذها ليس عبر وحدة التنفيذ والدعم فقط ولكن عبر كل عُماني في هذا البلد يحب الخير لبلده ابتداء من رؤساء الوحدات الحكومية وانتهاء بالمواطن العادي الذي يجب أن يعرف ما يجري في المختبر ويطلب منه دور واضح إما التحضير لبعض المواد الهامة للتجربة أو على الأقل المعرفة بما يدور لكي يُساهم بشكل إيجابي في المشروع وأظن أن هذه التجربة لن تغفل التوعية المجتمعية بهذا المشروع.

أستودعكم الله موعدنا يتجدد معكم بإذن الله.

حفظ الله عمان وحفظ جلالة السلطان.

alikafetan@gmail.com