التحالف بين المخدرات والإرهاب

 

د. عبد الله عبد الرزاق باحجاج

هل التلويح بعقوبتي الإعدام والسجن المُطلق لمُهربي وتجار القات، والكشف عن (260) محاضرة توعوية بالمُخدرات، هو الإجراء المثالي لمواجهة تصاعد قضية القات خاصة وبقية المخدرات والمؤثرات العقلية عامة؟ هل هذا ينم عن الوعي المؤسساتي الحكومي والرسمي والمدني الذي ينبغي أن نُراهن عليه لحماية مُستقبل بلادنا من تلك الآفات وتداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ بعد مقالنا السابق: "اجتثاث الرؤوس.. وتجفيف المنابع" بيومين فقط، جاء التَّلويح بالعقوبات المُشددة والكشف عن المحاضرات، وهذا لا يرتقي إلى الحد الأدنى من الاهتمام المؤسساتي والسلطوي والمجتمعي المفترض، ففي مقالنا السابق استشرفنا الآفاق المستقبلية، وحددنا ماهيات محددة، توقعنا من خلالها كسر حاجز الصمت واللامبالاة، إذن، أين الخلل؟!.

ولما توسعنا في إطار بحثنا عن قضية المخدرات إقليميًا، خرجنا منه بمعلومة أمنية في غاية الخطورة، وهي تحالف تجار المخدرات مع الجماعات الإرهابية لترويج مخدراتهم مقابل حصة من مال المُخدرات؟ فهل هذا الكشف سيُحرك مؤسساتنا المحلية والمركزية نحو الحل الشامل والعاجل لمكافحة المخدرات بكافة أنواعها، والعمل وفق منظومة علمية متخصصة، فالمرحلة الراهنة تؤسس لنا الحقبة الزمنية المُقبلة، فكيف ستكون هذه الحقبة بعد تحالف تجار المخدرات مع تجار الإرهاب في أنحاء العالم؟ وكذلك في ضوء ما تكشفه الجهات المختصة مشكورة عن تزايد تهريب المخدرات وآخرها القات بكميات كبيرة، وكذلك في ضوء ما قيل سابقًا من أنَّ تجار القات يستهدفون بلادنا كمرحلة أولى، ومنها إلى دول الجوار كمرحلة ثانية، ولرفع الوعي العام، ربما علينا التَّذكير بما كشفته قبل عام وزارة الصحة – وقد تناولناه في مقال سابق بعنوان أطفال "المخدرات.. هل وراءهم بُعد خارجي؟"، عن وجود (4) آلاف مدمن مخدرات في بلادنا في مستويات سنية أغلبهم أطفال والآخرون شباب، وهذه إحصائية رسمية وليست فعلية، وقديمة، بمعنى هناك مدمنين غير مسجلين، ويعني كذلك، أنَّ ذلك الرقم قد يرتفع لو حدَّثنا هذه الإحصائية الآن ؟ إذن، ماذا وراء هذا استهداف هذه الفئات العمرية تحديداً؟ هل وراءها بعد خارجي؟ وهل هو إقليمي أو دولي؟

كنَّا قد طرحنا مثل هذه التساؤلات في المقال سالف الذكر، وذلك حتى نفتح الآفاق السياسية لاحتمالات قد تبدو منطقية الآن في ضوء الكشف عن علاقة المخدرات بالإرهاب في المنطقة، ومخاوفنا من امتداد هذه العلاقة إلى بلادنا – وهذا الخوف حق مشروع - فهذه العلاقة لابد أن تحفز كل مؤسسات الدولة ضد المخدرات فورًا، فالحربُ ضد المخدرات من الآن يعني الحرب ضد امتداد الإرهاب إلى بلادنا مستقبلا عن طريق المخدرات، هكذا ننظر لمُستقبل العلاقة بين المخدرات والإرهاب، وهي حتمية تستوجب منّا التنبيه لها بصوت مرتفع، لأنَّ الأوضاع لا تزال تحت السيطرة في بلادنا. من هنا، نقول صراحة لا المحاضرات ولا الندوات لوحدها تكفي لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.

إذن، ما هي ملامح الحل الشامل؟ في مقالنا السابق، أكدنا على أنّ الأولوية تكمن في القضاء على التجار والمهربين من خارج الحدود أو داخل مياهنا الإقليمية، بدلاً من التركيز على المُتعاطين والموزعين فقط، وقدمنا مجموعة مقترحات مهمة- تراجع - وفي هذا المقال فقد ارتينا التنبيه من تحالف تجار المخدرات مع الجماعات الإرهابية حتى لا يجدوا لهم موطئ قدم في بلادنا من جهة وكذلك التأكيد على أنَّ خيار الإعدام والسجن المطلق لا ينبغي تطبيقهما إلا بعد أن نسحب من بيئاتنا الداخلية كل المُبررات الدافعة إلى ارتماء شبابنا في الطريق المظلم، والقضية لا تتعلق فقط بالقات رغم أننا نتناولها من هذا المنظور للمستجدات الآنية التي هزتنا من العمق، وأثارت قلقنا كثيرًا، وإنما هناك الأنواع الأخرى من المخدرات، والحل من هذا المنظور له عدة أضلاع رئيسة، أولاً، مُعالجة المدمنين وتأهليهم مهنياً واجتماعيًا، فأين المؤسسات المتخصصة – العلاجية والنفسية - للقيام بهذه المُهمة العاجلة؟ فلو أخذنا محافظة ظفار مثلاً، فهناك انعدام شبه كامل إن لم يكن كاملاً، وإن سنحت له فرصة العلاج في الخارج يرجع بعضهم بفكر مُتشدد، لأننا أرسلناهم للعلاج والتأهيل النفسي في دول التَّشدد الفكري، والكثير من المدمنين لا تتوافر لهم إمكانية العلاج داخلياً ولا خارجياً، وتظل السموم داخل أجسادهم، وسريعاً ما يعودون إلى المخدرات، فإقامة المؤسسات العلاجية والنفسية مع التأهيل الديني- تحت أنظارنا- من أهم الأولويات إن أردنا الحفاظ على شبابنا، وإلا سيطالهم ذلك القانون المشدد، وينبغي تشجيع علاج المدمنين مع معاملتهم على أنهم مرضى وليسوا مجرمين، وثانياً، توفير فرص العمل للشباب سنويًا وبالكمية التي تكون في مستوى عددي يوازي طالبي العمل، ثالثًا، الاهتمام بالتعليم التربوي في مدارسنا وحمل الأسر على التفاعلية الإلزامية مع هذا التعليم، وهذا يحتم تطوير المنظومة التعليمية سريعًا، رابعًا، حملات التوعية عبر المحاضرات الميدانية ووسائل الإعلام المختلفة رابعًا، يأتي هنا دور القانون (الرادع) كجزء مكمل لمن لم تنفع فيه أو معه تلك الحلول، ودون ذلك، كيف نعاقب الأبناء المُغرر بهم قبل أن نؤمن لهم العلاج والعمل ونحميهم من تجار المخدرات والإرهاب داخل وطنهم؟.

ومن أجل كل ذلك، نقترح تشكيل لجنة دائمة متخصصة في كل محافظة، تتبع مباشرة المُحافظين، وتتكون من كافة المؤسسات الحكومية والرسمية والأهلية (صحية، اجتماعية، اقتصادية، حقوقية، مفكرين، تربويين، وجمعيات مهنية ونسائية، وأمنية ومن فاعلين في المجالس البلدية..) تعمل على تجسيد تلك الحلول من منظور كل محافظة، ولكل مُحافظة خصوصياتها مع المخدرات، كما في كل محافظة ظواهرها المختلفة، فهناك محافظات تصنع فيها بعض المخدرات من قبل الأيدي العاملة الوافدة، كما أنَّ هناك في بعض المُحافظات بيئات مشجعة نحو الطريق المظلم، مثل وجود محلات خاصة تبيع التبغ بالقرب من المدارس – وقد تناولناها في مقال سابق بعنوان: "لدينا أفضل أنواع الدوخات والمداوخ"، وعنوان هذا المقال الغريب والعجيب، وجدناه مكتوباً على أحد الأبواب التجارية للترويج للتبغ، وقد وجدنا بداخلها أطفالا وشبابا يتعاطون التبغ، وعلى بابه الرئيسي توجد أرقام يمكن التواصل من خلالها لتقديم الخدمة على مدار الساعة!!.

قيل لنا الكثير عن مثل هذه المحلات المشبوهة، وهي بالقرب من المدارس، فكيف لا نُريد سقوط الأطفال في مستنقع المخدرات في ظل تلك البيئات؟ كما أنّ هناك الأخطر المقبل، وهو المخدرات الرقمية أو الإلكترونية، وهي تصنع في شكل أقراص إلكترونية تحتوي على موسيقى تمت برمجتها في شكل موجات. لابد من تشكيل تلكم اللجنة وفوراً من فاعلين وغيورين على مجتمعاتهم المحلية وتحت إشراف أعلى سلطة محلية في كل محافظة.