موسم هجرة المال العربي إلى عُمان

 

 

 

 

حمود الطوقي

 

على مدار سنوات، وربما عقود، ظلَّ المال العربي يُهاجر نحو البيئات الأوروبية، مختاراً أحد طريقين، إما الإيداع في البنوك الأوروبية على هيئة ودائع ثابتة أو سبائك ذهبية، أو الدخول في المناخ الاستثماري للتناسل والتوالد، في مشاريع تصبُّ في الصالح العام للاتحاد الأوروبي والأمريكي؛ سواء كانت مصالح خدمية أو مصالح أخرى، ولكنها في مُطلق الحالات لا تعود إلى الأرض العربية، ولا نستثني من هذه الهجرة الأموال العُمانية، التي أخذت -هي الأخرى- مناخاً ارتكازيًّا هناك؛ لأنها تظن أن البيئات الأوروبية أكثر ملاءمة لما يمكن أن يراه أصحاب تلك الأموال في حال من الأمان والاطمئنان.

ولو حسبنا بحسبة بسيطة، يُمكننا معرفة حجم الخسارة الفادحة التي يتكبَّدها الاقتصاد العربي من وراء هذه الهجرات المالية المتلاحقة، الهجرات التي لا تحتفي سوى بما يريده لها أصحابها؛ بحيث تصبح خارج دائرة النفع للبيئات التي أتت منها؛ وبالتالي يمكن مشاهدة أن اقتصاد البلدان العربية يتهاوى، ولا يجد منقذا استثماريا يفيد في إحداث توازن لصالح المناخين: المالي والاستثماري على حدٍّ سواء.

وحسب تقرير صادر من منظمة العمل العربية، تقدر الأموال العربية بنحو 730 مليار دولار؛ منها 365 مليارًا تصبُّ في الاتحاد الأوروبي. من المنطقي أنَّ المال الذي يتم استثماره يحتاج إلى حماية، وهذه الحماية لا تتكون من عنصر واحد فقط، بل عدة عناصر، وهي لا تُقال عن طريق البلد ذاته، بل هناك مقاييس دولية، تقوم بقياس حجم الأمن والأمان المفضيين إلى الاستقرار الاقتصادي، الذي يساعد -بدوره- على فتح باب التدفق للأموال الأجنبية؛ فهذه هي صفتها بعد الهجرة، وتلك المقاييس تتحول إلى قرار إحصائي عالمي، وبناء عليه تتحوَّل النظرة إيجاباً أو سلباً إلى الدول التي خضعت لتلك المقاييس.

يُمكن القول إنَّ السلطنة من الدول التي حازتْ قدرًا عاليًا من مناسيب الأمن والأمان الاقتصاديين؛ أي بما يحمي المال الذي يُمكن استثماره في المكان؛ لذلك حازت السلطنة على تصنيفات مشرِّفة، تسمح لها بأن تكون مناخاً جديراً بالثقة استثماريًّا، وهذا بشهادات تصنيفية عالمية المستوى، موثوقة المقاييس؛ مما يجعلنا نتساءل على المستوى المحلي: ما الذي يمنعنا من التحوّل إلى دولة شغوفة بالجذب الاستثماري؟!

الإجابة عن هذا السؤال تتطلَّب أكبر من مجرد رأي في مقال؛ فهناك العديد من الجهات المحلية -خاصة الحكومية؛ مثل: الهيئة العامة لترويج الاستثمار، ووزارة التجارة والصناعة، وسفارات السلطنة المنتشرة في الخارج- التي يُمكنها أن تمهِّد الطريق، سواء من الناحية القانونية أو الاستثمارية أو الإجرائية، بما يتسق مع التوجهات التي تصبُّ في صالح إنعاش الحراك الاقتصادي العُماني، عبر تفعيل ما لم يُفعّل من قبل، أو اقتراح مساحات استثمارية تتناسب مع المرحلة الحالية، أو ابتكار طرق إجرائية حديثة، تتناسب مع كم ونوع الاستثمار المطلوب جذبه على مدار خطة تنموية أو خطة سنوية.

نجد أنَّه من الضروري تمهيد الطريق لجذب المال العربي المهاحر، فبدلا من الاكتفاء بالنظر إليه وهو يتم تدويله في البيئات الأوروبية، نجد أنَّ الضرورة تقتضي النظر بعين المنطق إلى منجز السلطنة في تصنيفها العالمي، واستثمار تلك التصنيفات لجذب تلك الأموال أو جزء منها على أقل تقدير، والتعامل معها على أنها ممكنة العودة بعد الهجرة طويلة الأمد، ما دام المناخ آمناً للاستثمار، وجاذبا للربحية، وتنافسيّا على مستوى التواجد في الأسواق المحلية، تماشياً مع الواقع الذي يستدعي التعامل مع تلك الأموال بثقة ومساحة من الحرية.

وعلى الرغم مما يحيط بالمنطقة -أوسطيا- من أزمات وحروب وعدم استقرار، إلا أنَّ ذلك يبقى شأناً داخليًّا في تلك الدول؛ فالسلطنة -في مقارنة سريعة- آمنة مُطمئنة في مختلف السياقات التي تحمي المال القادم للاستثمار فيها؛ لذلك نأمل في القريب العاجل أن نرى التفاتاً جادًّا ومرناً، صيغة توافقية مع المستقبل، تتخذ من الموقف التصنيفي العالمي للسلطنة نقطة ارتكاز لما ينبغي صنعه حول جذب الأموال العربية والعُمانية المهاجرة، وفتح الأبواب لها بشكل جديد ومختلف؛ لتكون السلطنة البيئة الجاذبة لهذه الأموال لرفد الاقتصاد الوطني.