عبد الرحمن الراشد.. وطرح يناقض ذاته!"1 - 2"

 

 

عبد الله العليان

 

عرفت الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد، من خلال كتاباته في جريدة الشرق الأوسط، منذ أكثر من عقدين أو يزيد، له اتجاهه الفكري في القضايا السياسية والفكرية، وقد دخل الراشد في خلافات كثيرة مع كتاب وسياسيين، من مختلف الاتجاهات الفكرية في العقود الماضية، بسب حدة نقده في أحايين كثيرة في قضايا عديدة عرفت عنه من خلال عموده في الشرق الأوسط، فلا إشكال أن يحصل النقد، وتختلف الآراء، حول رؤى سياسية أو فكرية في واقعنا العربي، وتلك سنة إلهية أن جعل الناس مختلفين؛ لكن الإشكالية أن يتحول الاختلاف في الرؤى إلى رمي الاتهامات التي تحتاج إلى أدلة ومصداقية مقنعة، يعززها الواقع، ففي مقالته بجريدة الشرق الأوسط السعودية بتاريخ 18/ أكتوبر الحالي، والتي حملت عنوان (عمان بين الخليج وإيران)، كان كعادته يطلق الاتهامات، دون أن تتكون لديه الحقائق التي تجعل رأيه مقبولا ومعقولا في طرحه، وقد استهل مقاله بقوله إن (عُمان دولة غامضة، مع أنه يمكن تبسيط أسس سياسة السلطنة الخارجية، على الأقل كما نفهمها، في كلمة واحدة، العزلة. حكومة مسقط اعتزلت الدخول في النزاعات الإقليمية لعقود)، وفي فقرة أخرى قال (السلطنة محظوظة بانتمائها لمجلس التعاون، المكون من أنظمة مسالمة تشاركها حدودها البرية. وهذا لا يقلل من حكمة السلطان قابوس، الذي تمسّك لعقود طويلة بسياسة النأي عن الصراعات والمحاور). والحقيقة أن عُمان لم تنعزل عن الساحة الإقليمية أو الدولية منذ تسلم السلطان قابوس مقاليد الحكم 1970، لكنها شغلت نفسها بداخلها، وهي بناء عُمان الحديثة بعد فترة طويلة من التراجع والتأخر عن الركب، وهذا ما اهتم به السلطان قابوس ووضع له كل الإمكانيات؛ لاستعادة مكانة عُمان، وتحقق لهذا البلد ما كان يتطلع إليه الشعب العماني، بما أهم من الصراعات والتوترات الإقليمية والدولية التي لم تخّلف إلا المرارات والأحقاد، وعانت منه عُمان كثيراً، وهذا يعرفه الجميع، لكنها لم تبتعد ولم تنعزل - كما الكاتب عبدالرحمن الراشد - عن محيطها الخليجي والعربي، وما يفرضه هذا المحيط من واجب وطني، وعندما وقع الغزو على دولة الكويت 1990 ومن دولة شقيقة أيضاً؛ شاركت عمان بقوة في حرب تحرير الكويت، وسقط لها شهداء في عملية تحريرها، وهذا ما يخالف ما قاله الكاتب، أو ما أراد أن يلمح إليه في مواقف عُمان السياسية! أمّا ما قاله الراشد عن أنّ عُمان "محظوظة بانتمائها لمجلس التعاون"، فإنّ عُمان لم تكن البلد الطارئ على قيام هذا المجلس، فهي الدولة التي كان لها السبق في طرح الفكرة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، فمن خلال اللقاء الشهير الذي عقد في مسقط 1976، الذي جمع كل دول مجلس التعاون، بالإضافة إلى العراق وإيران فيما سمّي بـ (الترتيبات الأمنية في المنطقة، ومع أنّ اللقاء لم يسفر عن أي اتفاق، فإنّ هذا اللقاء كان بداية الدعوة لإقامة منظومة خليجيّة متقاربة ومتجانسة، ما يحقق لها الاستقرار والتكامل والترابط؛ والذي أود قوله أنّ دول التعاون محظوظة بوجود عُمان في هذا، ليس العكس، وهذا ما تجسّد في حكمة السلطان قابوس في قضايا كثيرة يدركها العقلاء من دول مجلس التعاون، وهو ما أشار إليه الكاتب نفسه عندما تحدث عن حكمة السلطان في أكثر من فقرة. ولاشك أنّ الكاتب لم يتعمق كثيراً في السياسات التي تنطلق منها عُمان، والتي ترجح في نهاية كل مشكلة تحدث ببعد نظر ورؤية واسعة، فالنهج الذي اختطه جلالة السلطان المعظم في اختيار القرار الصائب، يرتبط في أساسه بوجود معايير ترشيد يمكن الاحتكام إليها، في ظل المتغيرات العالمية، ويقوم على عمليات الموازنة والترجيح والمفاضلة، عملا بالقول الراجح "الحكمة ضالة المؤمن أنّا وجدها، فإنّه أحق الناس بها" حيث إنّ التوقف عند مضمون الظرف المراد الأخذ به، لا بد أن يأتي نتيجة اقتناع، وما يمكن أن يحققه من نتائج، وما يترتب عليه من مخاطر وفق معطيات وضوح الهدف، ودرجة الدقة في تقييم الاحتمالات والتوقعات، أو بمعنى آخر؛ فإنّ القرار الذي تراه رشيداً وواقعيا، هو عملية التقييم لما هو منطقي وواقعي، وما ستفرضه الوقائع التالية، أمّا ما قاله الراشد عن علاقة عُمان وإيران وانزعاج الأشقاء من ذلك، ومرور عُمان بمحنة الربيع العربي فله حديث آخر.