المعتصم البوسعيدي
يقول زيد: لا أعلم كيف للأندية أن تتعاقد مع مدربين، ومن جولة أولى أو ثانية يتم إقالتهم؟! يرد عمر: المشكلة يا صديقي أنَّ المدرب أسهل خيار لتبرير الأخطاء، ثم يتابع عمر حديثه: والمدرب الوطني للأسف يبقى مدرب طوارئ، والغريب أنَّه يرضى بهذا الأمر بسهولة وبدون شروط. يبتسم زيد: ويرضى بأقل القليل كراتب مقارنة بالمدرب الأجنبي!
ينطلقُ الدوري، ويخسر فريق زيد وعمر في أول جولتين، يثوران غضبًا ويقودان مجموعة من الجماهير: "ارحمونا" من هذا المدرب، فتستجيب الإدارة بإقالة المدرب وتعيين مدرب وطني لقيادة الفريق، وفي ليلة الإقالة يجلس زيد مع عمر في أحد المقاهي، يقول زيد: أعتقد أنَّ الإقالة في بداية المشوار أفضل حتى لا نغرق في النتائج السلبية، بالرغم من سوء الاختيار قبل بداية الموسم. فيرد عمر: ومن الجيد أنهم وضعوا المدرب الوطني كبديل. زيد: صحيح فهو أقرب للاعبين، ويُمكن أن يتفاهم معهم، خصوصًا وأنَّ لاعبينا عاطفيون، إضافة إلى أن المدرب الوطني لا يُكلف ميزانية النادي. عمر: لقد رأيت تمارين اليوم، ولقد أوجد المدرب بيئة جيدة، واتسمت التمارين بالجدية والأريحية، ثم يرشفان الشاي ويمضيان في استذكار الأيام الخوالي وأمجاد فريقهم.
يتعادل فريق زيد وعمر في أول مباراة ثم يفوز في الثانية بقيادة المدرب الوطني، وزيد يهز رأسه في المدرجات، ويقول: ألم أقل لكم إن المدرب الوطني الخيار الأفضل؟! فيثني الجميع على قوله، وبعد أيام تجري المباراة التالية، الفريق يتأخر بهدفين، ثم يقلص الفارق، وقبل أن يُعلن الحكم نهاية اللقاء، يطلق الفريق المنافس رصاصة الرحمة بهدف ثالث، تثور الجماهير، وزيد وعمر يطالبان بإقالة المدرب الوطني، وتشن الجماهير هجومًا لاذعًا على الإدارة، وحتى تخمد الإدارة الغضب الجماهيري، تصدر بيانا بإقالة المدرب، وأنها بصدد تعيين مدرب جديد، والوقوف على أسباب الخسارة، الجماهير تهدأ، لكنها تعبر -أيضًا- عن استيائها من لاعبي الفريق وخصوصًا المحترفين، مما دعا زيد للقول: المشكلة عندما لا يعي اللاعبون قيمة الشعار الذي يلعبون من أجله، وعمر يضيف: يا صاحبي إنه زمن الاحتراف "وما ضيعنا نحن غير الاحتراف"!
تذبذب نتائج الفريق، وزيد وعمر في كر وفر بين المدح والذم، وفي ليلة من ليالي مباريات الدوريات الأوروبية يجلسان في منزل زيد يشاهدان مباراة "كلاسيكية" بين فريقين كل منهما يشجع فريق دون الآخر، زيد يبدأ الحديث: نحن وين وهؤلاء وين؟! عمر: والله "فضيحة" نشاهد مباريات دورينا!! زيد: يا أخي شاهد كيف المدربين والملاعب والجمهور الراقي والإعلام، يقاطعه عمر: لا تكلمني عن الإعلام، نحن "اللي" معنا ما أعرف هل يقال عنه إعلام أصلاً؟! زيد: "صدقني" متعصبين أكثر من الجمهور، وما عندهم مهنية ولا حيادية. عمر: المهم ما نكون متعصبين مثلهم، زيد: صحيح نحن فقط نشجع فريقنا ومن دون تعصب، وحتى تشجيعنا للأندية العالمية يقتصر على رغبتنا بفوزها ليس إلا، وفي هذه اللحظة يسجل فريق عمر هدف التقدم على فريق زيد؛ فيقوم فرحًا ويتغنى بهذا الهدف، وبقوة فريقه وتأكيده بأحقية التقدم، بل وثقته من الفوز اليوم، وعلى الجانب الآخر، يزمجر زيد وينتقد فرحة عمر ويكيل سيل من الشتائم تطال فريقه والفريق المنافس، وحتى صديقه عمر!
من الصعوبة بمكان أن نتفهم طبيعة الجماهير، ونحن كجماهير في تعصبنا نستحضر عبارة شهيرة لنبرر بها أقوالنا وأفعالنا "ما قلت أو سويت كذا إلا من محبة" ويمكن اخطأنا ولكن "يعلم الله" إني أريد مصلحة النادي، وعدم فهم التناقض في شخصية الجماهير يتحول لعدم فهم إدارات الأندية، تقترن -أيضًا- بدهشة كبيرة من تكرارها نفس الأخطاء وبنفس السيناريو تقريبًا وبلا رقيب أو حسيب!! وكذلك نظرة المدرب الوطني بين رضاه بالواقع من جهة، وإيجاد صيغة تضعه على كفة المدرب الأجنبي من جهة أخرى، مع أن التدريب كما يقال "لا جنسية له".
الحكاية -بصراحة- هي جُملة من المتناقضات، وربما المثالية التي نبحث عنها غير موجودة إلا في تنظيرنا، غير أن البحث عنها يظل مطلبا ليس لتحقيقها بحذافيرها ولكن لأنها مصدر مهم في تعديل أي مسار وعنصر بالغ الأهمية لمحاسبة الإدارات، التي هي نفسها -أي الإدارات- بحاجة لجماهير واعية تقيمها وتنقدها نقدًا بناء، وكلما كان عضو الجمعية العمومية فاعلا وواعيًا كانت نسبة أخطاء الإدارة أقل، ولعلَّ حكاية زيد وعمر تلخص جزءا من واقع الأندية العُمانية، بل إن بعض الأندية يبحثان عن زيد وعمر؛ فلا يجدان منهم إلا القليل!