الشوفينية.. والمتشوفنون !

 

سعود الفارسي

كاتب ومدون

 

 

 

ربما يكون مصطلح " الشوفينية" مصطلح غريب على الكثير من القراء، وربما يكون البعض قد سمع به ولكن لم يعره أي اهتمام، مع أنّ "الشوفينية" قد بدأت تنتشر بين الكثير من الناس بقصد أو بدون قصد، بعلم أو بدون علم، لذلك دعونا نتعرف على معنى هذا المصطلح.. فما هي "الشوفينية"؟ ما أصلها؟ من أين جاء هذا المصطلح؟.

يعرف معجم المعاني الشوفينية بأنها "إفراط في الوطنية ينتهي إلى معاداة الدول والثقافات الأخرى" ويضيف المعجم بأنها "وطنية مفرطة وعدوانية لا تستند إلى منطق معين"، ما معناه أن يكون الإنسان مفرطاً في الوطنية إفراطاً يجعله ينتهي لمعاداة الدول الأخرى واحتقارها بغير منطق وإن كان لها سبب! فمن أين جاء هذا المصطلح؟ حسب المصادر فإنّ هذا الموضوع يعود للقرن الثامن عشر حيث كان هنالك جندي فرنسي في جيش نابليون بونابرت يسمى "نيكولا شوفان"Nicolas Chauvin كان هذا الجندي يهاجم ويتطاول بدون أي منطق وبلا عقلانية أي شخص يعارض نظام الجمهورية الفرنسية آنذاك رغم إصابته بتشوهات كثيرة نتيجة أطماع ذلك النظام، وكان هجوم شوفان يتميز بالعنجهية واللا منطقية واللا عقلانية تجاه أي رأي أو فكر مخالف لتوجهات نظام نابليون مع التحقير من تلك الآراء والأفكار المخالفة، ومن هنا جاء مصطلح الشوفينية "chauvinism" .

وبعد أن بينا معنى "الشوفينية" دعونا نتساءل وننظر إلى مجتمعاتنا العربية بعمق أكبر، هل تنتشر الشوفينية في مجتمعاتنا يا ترى؟ ولماذا؟ ماهي أسباب ذلك؟ هل تعود المسألة لأسباب عقائدية أم نفسية أم أهواء ومصالح يا ترى؟

يرى بعض علماء النفس أنّ الشوفينية في كثير من الأحيان تعود لأسباب نفسية، فأصل الموضوع – حسب اعتقادهم – يعود لمفهوم "الخطر" الذي نشأ عندما أحس الإنسان بحاجته لكيان يحميه من الخطر لينضم إليه ليشعر بالأمان، هذا الكيان هو ما سُمي بعد ذلك بـ "الوطن" ذلك الكيان الذي يتمتع ببعد حضاري وثقافي وسياسي وجغرافي، فأحس الإنسان بالانتماء لهذا الوطن وزرعت فيه مفاهيم الخيانة والولاء، الولاء هنا يعني انتماءه للمجموعة التي تعتبر بمثابة الأمان والفخر، في حين أن من يفقد ذلك يعتبر "خائناً" وبالتالي وجب طرده من ذلك الكيان ما يعني رجوع الشعور بالقلق والخوف إليه، لذلك وتحت مفهوم الولاء ومن قبيل المحافظة عليه بدأ الإنسان في التغاضي عن أشياء كثيرة تتعارض ومبادئه واعتقاداته المنطقية تحت مسميات وطنية كـ "المصلحة العامة، الضرورة، أعمال السيادة، وغيرها الكثير" مع علمه وقناعته بعدم صحة كثير من ذلك إلا أنه خوفاً من تصنيفه كـ "خائن" ومن الطرد من الكيان المجتمعي ذاك استمر في التبرير لنفسه لقبول كل ذلك، وباستمرار ذلك التبرير يتحول ذلك القبول والخوف إلى قناعة راسخة في قلب ذلك الإنسان فتصبح جزءًا من عقيدته، وبالتالي يرسخ في ذلك الإنسان "الشوفيني" أن حبه المفرط هذا يجعل منه إنساناً مصيباً دائما وفي جميع الأحوال وأن المخالف لرأيه هو مخطئ بل وقد يقوم بتخوينه! فالإنسان الشوفيني يتميز بعدم استطاعته على القيام بمراجعة نفسه، فهو لا يرى إلا ما يريد ولا يسمع إلا ما يريد، وكل ذلك تحت ذريعة "الوطنية"!

بالإضافة إلى الأسباب النفسية وفي ظل انتشار منطق وسياسة "المصلحة" أصبح البعض يتعمد استخدام الشوفينية بطرق متقنة ووسائل مختلفة في سبيل تحقيق أهدافه ومصالحه، فالتغني بالوطنية والظهور بمظهر الفارس الملثم الذي يخرج من بين الأدغال لإنقاذ الوطن - وفقا لتفكيره – أصبحت تعد من أسرع الوسائل للظهور والارتقاء وتحقيق الأهداف والاقتراب من صناع القرار! فمثل هؤلاء ليسوا شوفانيين وفقا لتعريف علم النفس بل هم "متشوفنون"، فهم يعلمون جيداً أن استخدام "الشوفينية" هي أفضل الوسائل في الوقت الحاضر لتحقيق مصالحهم الشخصية وأطماعهم الذاتية، فتجدهم سباقون دائماً للبحث عن أي موضوع أو مقال أو تصرف قد يصدر وينشر بداخل بلدانهم أو بخارجها ليستلوا أقلامهم لمهاجمة الآخر والتقليل منه واحتقاره تحت ذريعة "الوطنية" ! بل وتجدهم يقومون بتفسير ما يتم نشره في قنوات الدول الأخرى على أنه انتقاص مقصود في حق أوطانهم وإساءة متعمدة موجهة له، فيقومون بالتعقيب عليها ومهاجمتها بشكل فظ وغليظ! كمثل هؤلاء المتشوفنين هم أكثر إساءة للوطن من غيرهم، الأوطان لا تبنى على التحقير والتقليل من الآخرين، الأوطان تحتاج للصدق.. للأمانة.. لتقديم مصالحها العليا على كل شيء، تحتاج لأن نصدقها القول والعمل وقبل ذلك أن نصدقها "المشاعر والهدف".

أخيراً، يجب أن نعلم بأنّ هنالك فرقاً شاسعاً بين الشوفينية وبين المواطنة الحقة، فأن يفتخر الإنسان بوطنه ومنجزاته وبتاريخه العميق المتجذر لهو شيء في قمة الرقي وينم عن مواطنة صالحة وعشق للوطن، أمّا المغالاة في ذلك لدرجة التقليل من الآخر ومن ثقافته لدرجة تصل لإقصائه وتحقيره فذلك ليس من المواطنة الحسنة في شيء، بل هي ممارسة حقيقية للشوفينية بغض النظر عن الأهداف.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك