كيف تنظر الصحافة العالمية للسلطنة؟

 

د/عبد الله عبد الرزاق باحجاج

اختتم المؤتمر الدولي الرابع "عُمان في الصحافة العالمية"، الذي استمر يومين ونظمته هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وقد وفِّقت الهيئة في اختيار عنوان المؤتمر ومحاوره، خاصة العلاقة بين الصحافة والتاريخ، وكذلك دراسة مضامين نماذج من الصحافة العالمية في ظل غياب مشاركة وسائل إعلامنا بما فيها صُحفنا العمانية وأكاديميونا في التاريخ بأوراق عمل في هذا المؤتمر، وهو غياب لم يكن وراءه إقصاءٌ وإنِّما عدم تجاوب لدعوات المُشاركة، مما خرج المؤتمر دون رسائله السياسية التي تحتمها السياقات الظرفية الراهنة، والتي كان ينبغي تمريرها،،مرحلياً،، للرد على الكثير من الإكراهات الإقليمية التي بدأت بدورها تتصاعد في إطار خطة ممنهجة، ورغم ذلك، فقد استشرف المؤتمر ما ينبغي القيام به صحفياً / إعلاميًا، لمواجهة مرحلة الإكراهات الصحفية /الإعلامية المقبلة.

سبعة وعشرون بحثاً تعرفنا من خلالها على صورة بلادنا في الصحافة العالمية من مُختلف جغرافيتها المتعددة، العربية والخليجية والأمريكية والروسية والفرنسية والإيطالية والأفريقية، معظمها حصرت إطارها الزمني قديماً، وليس حديثاً، والبقية تعاطي مع الإطار الآني بخجل، مما دفع بالمؤتمر إلى التوصية في ختام أعماله إلى عقد مؤتمر مُماثل بإطار زمني حديث من عام 1970 حتى الآن، وهذا استدراك ينم عن وعي المؤتمر بأهمية استقصاء الصورة العمانية الحديثة في الصحافة العالمية، لمعرفة حجم الثابت وبالمقابل حجم المتغير، ومعرفة الأسباب في كلتا الحالين، وكيف يمكن للبلاد إدارة المرحلة الإعلامية الخارجية من منطلق الوعي الكامل بالخلفيات والدوافع الكامنة وراء الحالين، وقد فتحت لنا هذه الأهمية في ضوء تحول مواقف بعض الصحف المصرية منذ عام 2011، من هنا، احتلت تلك التوصية المرتبة الثانية من مجموع التوصيات الكثيرة، وتطبيقها سيتوقف على تحرير الباحث نفسه من بعض الحساسيات السياسية التي غرق فيها الكثير من الباحثين في المؤتمر، فصورة بلادنا في الصحافة الخارجية، ينبغي أن ينقلها لنا الباحث كما هي، ومن كلا الحالين، الإيجابية والصورة الأخرى، وليس التوقف عند الإيجابيات فقط أو التركيز على الصحف التي تتعاطى معنا إيجابيًا، فذلك، يفقد المادة العلمية بعدها العلمي مثل ما حدث لبعض الأوراق البحثية، ورغم ذلك، فقد حققت الأوراق البحثية نجاحات متفاوتة في الغوص التاريخي في كتابات الصحافة العالمية عن بلادنا، وقد استوقفنا فيها كثيراً، طرح الدكتور محمد أحمد جهلان المعنون باسم 100سنة من الحضور العُماني في الصحافة الجزائرية ليس من حيث استخدامه لكل المُقاربات العلمية المعروفة، كالمنهج الاستقرائي والمنهج التحليلي، والمنهج التاريخي، والمنهج الاستشرافي، بل من حيث غوصه العميق في أرشيف ضخم وعميق زمنياً مُتعلق بعُمان في الصحافة الجزائرية، وقد أثار إعجابنا التراث الصحفي للشيخ أبو إسحاق إبراهيم أطفيش، خاصة كتابته المميزة التي تشكل مصادر تاريخية يمكن الاستدلال بها كدلائل لتدعيم حججنا التاريخية، مثل كتابات،، تعلق دُبي بحكومة عُمان،، وقاحة المبشرين في مسقط،، والمملكة العمانية بين أنياب لندن والرياض،، ومنها كان ينبغي أن تخرج الكثير من الرسائل السياسية للظرفية الزمنية الراهنة، لكنها لم تخرج، وهذا لا يُقلل من أهميتها، بل وتدعونا إلى الاعتناء بمثل هذا التاريخ العُماني من منظور الشهادة الجزائرية التاريخية، وكذلك ورقة عُمان من خلال مجلة،، العربي،، استطلاعات سليم زبال أنموذجًا، فمن خلال استطلاعاته عن المنطقة التي بلغ عددها (200) استطلاع كان يمكننا أن نخرج برسائل سياسية،،ظرفية،، عاجلة، فاستطلاعاته شملت الدولة العمانية التاريخية، ولكنها لم تخرج، ويبدو أنَّ الباحثين قد فرضوا على فكرهم رقابة ذاتية ذات حساسية عالية، ومن الأهمية الوطنية معرفة الصورة الأخرى التي تُقدمها بعض الصحف عن بلادنا، وتحليل دوافعها وخلفياتها، فإذا كانت وراءها معلومات ناقصة أو مغلوطة، فينبغي الإسراع في تزويدها بالحقائق، أو إذا كان وراءها استهداف للتشوية وتزوير الحقائق، فينبغي العمل كذلك على إدارة هذا الإكراه عبر تسخير كل وسائل التواصل الإعلامي للحفاظ على الصورة الذهنية التاريخية والمعاصرة لبلادنا، وهي صورة فعلا مستهدفة، وهذا أيضًا مستدرك من قبل وعي المؤتمر بتداعيات هذا الفراغ، وهذا ما نجده واضحًا في التوصية الأولى، التي أوصت بتشكيل وحدة إعلامية متخصصة تابعة لهيئة المحفوظات والوثائق الوطنية، هدفها تحليل مضامين الأخبار والأحداث التي تتناولها الصحف الخارجية عن بلادنا، ومن ثم كيفية التعامل معها، واستقرائنا لطبيعة المرحلة المُقبلة تشير إلى أنّ بلادنا ستواجه حملة إعلامية مضادة، ربما تكون قد بدأت وفق خطة ممنهجة، هدفها المساس بالصورة الذهنية لتاريخ بلادنا، وقد بدأت فعلاً من خلال هز جوانب من هذه الصورة بصورة متدرجة، فعندما تنجح، فسوف يكون لدى الرأي العام الخارجي قابلية لقبول الخطوة التالية، فهل نواجه هذا الإكراه منذ الآن أم نتركه يواصل مسيرة اهتزازه المتدرج للصورة الذهنية التاريخية؟.

الكل يعلم ما نرمي إليه، ولديه وعيٌّ كامل بخلفياته وأشخاصه، من هنا يمكن القول صراحة، إنّ سياسة الصمت لم تعُد صالحة مرحلياً، ولا سياسة ردة الفعل كذلك، وهاجسنا الأكبر الآن يكمن في الموافقة على تلكم التوصيتين، وهما طبعًا ليسا كافيتين للمواجهة الإعلامية المضادة، وكان ينبغي أن نقترح على هذا المؤتمر توصية مهمة أخرى، وهي إعادة النظر في السياسة الإعلامية برؤية إستراتيجية جديدة، وبلغة فاعلة ومُباشرة، وكذلك إقامة ملحقيات إعلامية جديدة في بعض العواصم – تحديدًا – بعد تفعيل وتطوير الملحقيات لكي تكون حلقة التواصل مع وسائل الإعلام الخارجية، فواقعنا الإعلامي بكل أبعاده ومستوياته – المكتوبة والمرئية والمسموعة..- لا تتوافر لديه إمكانية المواجهة الآن، وعلى وجه الخصوص هنا إعلامنا الخارجي، فعلينا التحرر من سياسة الصمت الإعلامية وردة الفعل غير المتخصصة وغير الموجهة، وإلا، فقد نصل لمرحلة نجد فيها اهتزازات سحب الهوية قد طالت كل مناحي كياننا التاريخي .. فأين إعلام المواجهة؟ فالشكر كل الشكر لهيئة المحفوظات والوثائق الوطنية على فتحها هذا الملف الوطني الآني والعاجل.