علي بن مسعود المعشني
التجارة في حقيقتها تقوم على ساقين، تاجر يوفر السلعة وزبون يستهلك هذه السلعة والتجارة الناجحة لا تقوم وتقوى إلا بتحديد الشريحة أو الشرائح المستهدفة من نشاطها لسبرها وتحديد عددها والكم فيها والقدرة الشرائية لها .
وحين يُخل التاجر بقيم التجارة ويعبث بها ويتحول إلى عقلية وثقافة الثري والإقطاعي والمحتكر، فمن الطبيعي جدًا أن يفقد زبناءه تدريجيًا ويتعرض نشاطه للخسارة فالإفلاس، لهذا يحرص التاجر الحقيقي الحذق على الزبناء كحرصه على بضاعته ورأس ماله تمامًا، بالتعامل الطيب والمراعاة وتقديم الأفضل والأجود على الدوام من خدمة وأسعار .
وقد حرص إسلامنا العظيم على تنظيم العلاقة بين التاجر والمستهلك عبر تحريم الغش والاحتكار وتبيين ثواب فريضة الزكاة (حق الله) وفضل الصدقات في تطهير وتزكية مال العبد.
وفي نُظم التجارة الحديثة شاعت ثقافة المسؤولية الاجتماعية للشركات ورجال الأعمال في الإسهام بتنمية أوطانهم عبر التكفل بمشروعات (إنشاء أو إدارة) كعربون محبة للوطن ورد الجميل لأبناء الوطن وكلمسة إنسانية يقدم عليها الميسور تجاه المعسرين من حوله أو المشروعات المؤجلة من قبل الدولة.
في سلطنتنا الحبيبة لازالت ثقافة المسؤولية الاجتماعية في بواكيرها الأولى، ولم تصل بعد إلى الدرجة المُرضية التي يلمسها الوطن والمواطن، وبتفشي وشيوع الأزمات الاقتصادية ودورات الركود الاقتصادي تأتي الحاجة ماسة جدًا لمساهمات المخلصين من أبناء الوطن الميسورين في تعزيز جهود الحكومة والتماهي مع رغبات المجتمعات المحلية والتي تتباين وتتعدد وتتفاوت رغباتها التنموية بين محافظة وأخرى، خاصة ونحن نشهد توجهاً جاداً من قبل الدولة بجميع أطيافها لبناء الوجه الفكري للدولة، ومنه دعم المبادرات الاجتماعية في الولايات والتي تستهدف بناء الإنسان بالدرجة الأولى وأصبحت تفوق في ضرورتها – أحيانًا – المشروعات المادية من منشآت ومؤسسات تنموية، كالعناية بالأسرة والارتقاء بثقافتها عبر دعم جمعيات المرأة، أو الاعتناء بفئة الشباب عبر دعم مشروعاتهم وتوفير مقار نوعية لممارسة أنشطتهم وتفريغ طاقاتهم الجسدية والنفسية والفكرية، يضاف إلى ذلك أهمية دعم الأنشطة الترفيهية والتسويقية في الولايات لما لها من أثر إيجابي نفسي واقتصادي على المجتمعات المحلية.
الجهود المقدمة اليوم من بعض التجار مقدرة ومشكورة ولكنها غير منظمة أو شاملة لجميع التجار حتى تُدار تلك الأموال بصور منتظمة ويرى أثرها ونموها الجميع، والسبب الرئيس يكمن في عدم شعور البعض بأهمية المسؤولية الاجتماعية، واكتفائه برعاية ودعم المناشط الحكومية كالمهرجانات أو المسابقات بأنواعها وهكذا
ماهو مطلوب في تقديري وبدءًا من هذا الظرف الذي نمر به، هو إنشاء صناديق في المحافظات تتلقى أموال المسؤولية الاجتماعية من أبناء كل محافظة (تجار وعوام)ومن الشركات والمؤسسات التي تساهم بذلك بشكل سنوي ومنتظم، ويوضع الصندوق تحت تصرف المحافظ والمجلس البلدي وهم من يقرر حاجة كل ولاية من المشروعات والمناشط وحجم الدعم المطلوب، ويمكن أن يُضاف للصندوق المذكور أموال الأوقاف في كل محافظة كذلك، ودعم المواطنين وتبرعاتهم إن تطلب الأمر.
بهذه الخطوة أتوقع أن تتكفل تلك الصناديق وبقليل من التنظيم والإجراءات الرشيدة من معدات وعناصر بشرية، بتقديم خدمات جليلة للولايات رغم تناهي حجمها أحيانًا إلا أن الحفاظ على وتيرة التنمية والحرص على دوران عجلتها يحقق الكثير في أعين المواطنين ويرفع الكثير من العتب عن كاهل الحكومة.
مالا أفهمه، هو رفض الحكومة تسمية المشروعات بأسماء المتبرعين بها، رغم حرصها الشديد على بقاء اسم من افتتح المشروع على قطعة رخام مدى الحياة !!
وذلك الامتناع غير المُبرر بالنسبة لي صنم ورثناه في عقولنا وأيدناه بلاوعي وأصبح من نسيج ثقافتنا وموروث إدارتنا للأسف، بينما واقع الحال يقول: من لا يشكر الناس لا يشكر الله، فمجرد ذكر اسم المحسن أو شركته أو مؤسسته الخيرية على قطعة رخام في مدخل مشفى أو مركز صحي أو عيادة أو مركز ثقافي أو اجتماعي لا يقلل شيئاً من هيبة الدولة ولا ينتقص من الحكومة وجهودها، بل يحفز المترددين إلى التنافس في الخير وعليه.
وهنا فرصة لنناشد الحكومة الرشيدة بفك هذا اللبس غير المبرر واستدرار الخير من أهل الخير مقابل كلمة شكر واجبة لا أكثر ولا أقل .
قبل اللقاء : يقول الشاعر: اﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﻬﻢ ….
ﻭﺍﻟﻌُﺴﺮ ﻭﺍﻟﻴُﺴﺮ أﻭﻗﺎﺕ ﻭﺳﺎﻋﺎﺕ
ﻭأﻛﺮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺭى ﺭﺟﻞ ….
تُقضى على ﻳﺪﻩ ﻟﻠﻨﺎﺱ حاجات
ﻻ ﺗﻘﻄﻌﻦ ﻳﺪ ﺍﻟﻤﻌﺮوﻑ ﻋﻦ أﺣــﺪ ……
ﻣـﺎ ﺩﻣـﺖ ﺗـﻘﺪﺭ ﻭﺍلأﻳـﺎﻡ ﺗـــﺎﺭﺍﺕ
ﻭﺍﺫﻛﺮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ إﺫ ﺟﻌﻠﺖ ….
إﻟﻴﻚ ﻻ ﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟـــﺎﺕ
ﻓﻤﺎﺕ ﻗﻮﻡ ﻭﻣﺎ ﻣــﺎﺗﺖ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ ….
ﻭﻋﺎﺵ ﻗﻮﻡ ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ أموات
وبالشكر تدوم النعم
Ali95312606@gmail.com