حمد بن سالم العلوي
لقد بدأت فكرة التَّعاون الخليجي في عُمان، وذلك باجتماع دُعي إليه ثمانية وزراء خارجية عام 1976م، وعُقد في فندق "الخليج" آنذاك في مُرتفعات القُرم على بحر عُمان، وكان بينهم وزيرا خارجية العراق وإيران، وعلى ما أظن أنَّ جلالة السلطان قابوس المعظم – حفظه الله ورعاه – هو من افتتح ذلك الاجتماع نظراً إلى أهميته، ولن أسهب في ذكر الأحداث، ثم عادوا للاجتماع بستة وزراء في مارس من عام 1981م، في ضيافة الغبرة بمسقط استعداداً لعقد اجتماع القمة الأول، وذلك بعد شهرين في أبوظبي أي في شهر مايو من نفس العام، فتمخض عن تلك القمة "مجلس التَّعاون لدول الخليج العربية" ومنذ ذلك التَّاريخ ونحن كعُمانيين نتعامل مع هذا المجلس، على أنّه مجلس للتَّعاون ولا حتى اتحاد، لذلك ظللنا نسعى جاهدين لتحقيق تلك الأهداف التي ارتضيناها، وآمنا بها وألزمنا أنفسنا بقيمها، حتى أننا سعينا جاهدين ومبادرين لتطبيق ما كان بمقدورنا تحقيقه، فبدأنا بتشجيع الدول الأعضاء، الواحدة تلو الأخرى على اعتماد نظام التنقل بالبطاقة الشخصية للمُواطنين، وقد واجهنا مشقة وصعوبات كبيرة حتى تعمم هذا النظام، وبعد ذلك انتقلنا إلى أمور أكثر أهمية بهدف ترسيخ قيم التَّعاون، ولكن ليس من بينها خطط شن الحروب.
تُرى ماذا يُريد الإخوة في هذا المجلس، عندما نجد الأقوال لا تتوافق مع الأفعال، ففي الوقت الذي تسعى عُمان للتماهي مع الإخوة الأعضاء في سياق مُتقارب، نرى أفعالهم تشد إلى التقوقع والانعزال، وتشييد الأسوار العالية والشائكة، وتعقيد الإجراءات على المنافذ الحدودية، وكأنَّ هذا التَّعاون مدعاة لفقدان الثقة بين الأعضاء فيما بينهم، فيا سبحان الله كانت التسهيلات وسهولة الانتقال بين الدول المُتجاورة، ببساطة تامة تكاد لا تعرف متى عبرت الحدود، إلا عندما ترى اختلاف أرقام السيارات، وتغير ألوان الأعلام على المؤسسات الرسمية، فيا ترى كيف كان سيكون الوضع، لو حُوّل المجلس من التَّعاون إلى الاتحاد، هل كان سيحق لأحد غيركم أن يتكلم؟!!!.
لقد ظلَّ التوجه في هذا المجلس يسير على وتيرة هادئة، والمواطن لا يعرف ما الذي يدور في الكواليس بين الزعماء، حتى اكتشفنا أنّ بعض مواطني هذا المجلس قد تناسوا الأهداف التي نشأ من أجلها، فعندما دعموا الرئيس العراقي الراحل، في حربه مع إيران، وقف العمانيون على الحياد، واعتبروا تلك الحرب مُضرة بالأمة الإسلامية، وخدمة فيها للأعداء، حتى هجم العراق على الكويت، وهنا لم تقف عُمان على الحياد، وكان جيشها أوَّل الداخلين إلى الكويت، وهذه مواقف تُفسر نفسها بنفسها، واليوم يخرج علينا بعض المُتقولين زاعمين أنّ عُمان تشق الصف الخليجي، لأننا لم نُشارك في الحرب على اليمن، هذه الحرب التي تزعمتها "الشقيقة الكبرى"، كما اصطلح على تسميتها بذلك، و"الشقيقة الكبرى" إذا قررت أن تدخل حرباً مع من تشاء، لن تجد عُمان تابعاً لها، وإلا أين الحرية السيادية للدول، ومجلسنا مجلس للتَّعاون، وليس مجلساً للحرب، وهنا الفارق الكبير بين المعنى والتسمية، والعمانيون ليسوا "ربيّع" من خطف، كما لن تجدهم "تفق برزة" إذا دعا الواجب، والجيش العُماني لديه واجب مُقدس في الذود عن حياض الوطن، ولكنه لا يشارك في سفك الدماء لمواقف شخصية.
لذلك يجب على بعض مواطني مجلس التعاون، أن يفهموا معنى السيادة والاستقلال، ومعنى التَّعاون الشريف بين دول المجلس، ونقول لمن تسول له نفسه أن يتحدث بعدم مسؤولية عن بلادنا، أن يحسب كلماته وأن يدرك أن عمان قيادة وشعبا لن تنجر إلى مهاترات أو تلاسن هنا أو هناك.
كذلك تأتي جريدة "الحياة" السعودية، فتقتص صورة من جريدة سودانية، سبق ونشرت صورة لأسلحة مُهربة من ليبيا إلى السودان عام 2014م، فتلصقها في خبر على أنَّها أسلحة من عُمان إلى الحوثيين في اليمن.
فاليمن المُدجج بالملايين من قطع السلاح من قبل الحرب، لن يحتاج لأسلحة من عُمان، وقد شاهدناهم كيف يغنمون أحدث الأسلحة من الجيوش الهاربة، وأرقام السيارات تفك وتربط بمسمار، هذا إن كانت حجتكم رقم سيارة.
وكذلك تطلع علينا قناة فضائية مأجورة تسمى "بلقيس" مجهولة المصدر والمرجع فتبث سمومها.
ترى ما هذا الهراء والخبط العشواء، هل أكملتم على العالم كله بالأذى، ولم يتبق لكم إلا عُمان، لكي تتهموها بمثل هذه الأباطيل؟! ترى من سيصدّقكم أن عُمان تحولت من نهج الخير إلى عكسه، فتقوم بتهريب السلاح، وتأجيج سفك دماء المسلمين؟!.
إن عُمان لها تاريخ ناصع البياض، وعُمان لا تسعى لزعامة مزيفة، ألم تروا أنها لا تزاحمكم على رئاسة هذا المجلس؟ لأنّها تعيش الرئاسة والسيادة مع التاريخ، فلا يمنحها هذا المجلس جديداً، وإنما عُمان أرادت من هذا المجلس الخير والهناء لكل شعوب المنطقة، وربما لو لا عُمان موجودة في هذا المجلس، لتفكك واندثر وأصبح في خبر كان، وعُدتم إلى محاربة بعضكم بعضاً، فإن كنتم لا تعرفون عُمان إلى اليوم، فأولى لكم أن تتركوا سياسة التخبط والعشوائية، فلا تُضحِّكوا الأمم عليكم.
فنحن في عُمان ظللنا منذ عام 1970م، نشق طريق الحياد في سياستنا عن كل العرب، وهذا أمر مُعلن ونُكرر قوله على الدوام، وقد ظللتم في مرجوحة السياسة، تقفزون من النقيض إلى النقيض، فإذا طبعت بكم سياسة التهور والغرور، فلا تلقون باللوم على عُمان، فعُمان التي ظلت كالإطفائي تخمد نيران الشر والفتن بين العرب وغيرهم، فهذا قدرها أنها دولة عربية عريقة وتحمل عبء التاريخ على عاتقها، وتتقاسم معكم هذه الجغرافيا بحكم الجيرة، ولكن ليس بوسعها أن تقبل تُهم الشيّطنة والتّخوين، وعليكم التحري جيداً، قبل أن ترموا بريئاً ببهتان عظيم، والعُمانيون لا يقبلون أن تلوث سمعتهم بدم الأبرياء.
إن النهج الذي اختطه جلالة السلطان المعظم كعقيدة للسياسة العُمانية الحكيمة، سيظل ثابتا، وسيدرك الجميع في النهاية أن الموقف العماني هو الأكثر عقلانية والأكثر حرصا على مصالح الشعوب.
Safeway.om@gmail.com