خلفان الطوقي
تداولتْ وَسَائل اﻹعلام المختلفة خبرًا في غاية الأهمية؛ وهو: أنَّ الأمانة العامة للمجلس اﻷعلى للتخطيط تُنفِّذ البرنامجَ الوطنيَّ للتنويع الاقتصادي المسمى "تنفيذ"، وتُشرف عليه وحدة الأداء والتنفيذ الماليزية "بماندو"، والتي يُشهَد لها أنَّها نجحت في ماليزيا، وبعدها تمَّ تطبيق النموذج التطبيقي في عدة دول.. والآن هم في السلطنة.
وقبل الدخول في الموضوع، نُوجِّه شكرَنا الواجب وإعجابنا للقائمين على المبادرة، مُتمنين لهم دوامَ النجاح والسداد، والوصول بالسلطنة إلى وَضْع أفضل في ترتيب جدول التنافسية، وبما يخدم كافة الشرائح، وواجب التوضيح أنَّ أيَّ ملاحظة هي ليست انتقاصا من عملهم الدؤوب أو تشكيكًا في نواياهم الوطنية، بل هي مُجرد مُلاحظات يُقصد بها توجيه نظرهم للتحديات التي قد تواجههم، وللنظر للموضوع من عدة زوايا لتكتمل الرؤية.
يسدُّ برنامج "تنفيذ" نظريًّا كلَّ الثغرات السابقة؛ كتحديد الأهداف بالأرقام والنسب وربطه بالناتج المحلي الإجمالي والخطوات التطبيقية والجدول الزمني ومعايير الأداء وقياسها والحوار المجتمعي والالتقاء بكافة أطراف العلاقة من مُتَّخذي القرارات والتنفيذين من وكلاء ومديري عموم الوزارات في الجهات الحكومية وقانونيين ومتلقي الخدمة...وغيرهم من أطراف العلاقة.
وهناك مُبادرات حكومية كثيرة في السنوات السابقة، وهناك جهود لم تؤتِ النجاحَ المأمول بسبب -كما يقال من المسؤولين أنفسهم- أنها مُشتَّتة ومُبعثرة ومُتداخلة ومُتشابكة وغير مُرتبطة أو مُتكاملة مع غيرها من المؤسسات الحكومية الأخرى، أو أنَّها مُرتبطة بمسؤولين معينين، فهل سيتمكَّن برنامج "تنفيذ" من أنْ يكون مؤسسيًّا تكامليًّا ومُستدامًا، وأن يربط النقاط والجهود المبعثرة تحت مظلة واحدة.
عندما تُطالع ما قامتْ به الوحدة الماليزية "باماندو" في ماليزيا، ستجد أنه يفوق التصديق في وقتا قياسي، ونأمل أنْ يتحقَّق أكثر من ذلك في عُماننا الغالية، وواثق أنَّ الجميع من مسؤولين ومواطنين ومقيمين يتمنُّون أن يروا عُمان أفضل، وسيقومون بما هو مطلوب منهم إذا اتَّضحت ما هي واجباتهم. ولكي نكون واقعيين، فالجميع واعٍ وواثق بأنَّ يد الحكومة تُمثِّل اليد القوية في عملية التغيير، وتكمُن في السياسات الحكومية وطرق تطبيقها على أرض الواقع؛ فهي التي تجر بقية الحلقات للتغيير.
عندما تلتقي مَنْ تَعَامَل كثيرًا مع الجهات الحكومية، أو شارك في تصميم الإستراتيجيات السابقة، أو شارك في ورش العمل أو المختبرات أو الاجتماعات، وبغض النظر عن المسمَّى، ستراه يُشكِّك في نجاح هذه المبادرة؛ بسبب التراكمات السلبية السابقة، والتي ليس من السهل مَحْوها من الذاكرة، وكلُّ واحد منهم ستجد لديه تجارب مريرة ومؤلمة.
خُلاصة آراء من تَعَامَل مع الجهات الحكومية، ومن لديه تراكمات ونظرة سلبية سابقة، ستراه يُشكِّك بأنَّ المشهد بعد هذه المبادرة سيتكرَّر ما لم تكن هناك نُظم تنفيذية ورقابية وإشرافية بشرية وإلكترونية صارمة، وبتدخُّل قليل جدًّا من العنصر البشري؛ لتقليل الاستثناءات والتدخلات، ولا يُمكن لهذه المبادرة أنْ تُؤتِي نتائجها المأمولة دون وجود جهة تقييمية مُستقلة تكون لديها سُلطة وقوانين مُلزمة وتفويض للثواب والعقاب، ومعروفة لجميع الموظفين؛ لضمان الانضباط لجميع مراجيعها؛ حيث إنه ومن البديهيات اﻹدارية أنه لا يُمكن أن تكون المؤسسة الحكومية هي القاضي والمهتم في الوقت ذاته. كما علينا أنْ لا نُهْمِل عنصرَ إقتناع كل موظف بأهمية التغيير، وتنفيذ ما هو منوط به بعد مَنْحِه الصلاحيات اللازمة ﻹحداث التغيير المأمول؛ فالوزارة لا تتكوَّن من الوزير والوكيل أو الرئيس ونائبه فقط، وتبقى "بامندو" و"مكينزي"..وغيرهما مما يُسمَّى "بيوت الخبرة" تربطنا بهم عقودَ عمل مُؤقَّتة ومجرد واضعة للإطار العام للعمل، ويبقى علينا التنفيذ.
وأخيرا.. نأمل لبرنامج "تنفيذ" أن يأتي بتطبيقات عصرية وعملية قابلة للتنفيذ والقياس، يُمكن من خلالها تحقيق جميع اﻷهداف التي تضمُّها الخطة الخمسية التاسعة.. آملين من مجلس الوزراء الموقَّر تقديمَ الدعم الكامل لهذه المبادرة؛ كي لا تكون مبادرة مُكرَّرة للاستهلاك الإعلامي، واعتبار هذه المبادرة بادرة أمل للخروج من عُنق الزجاجة، ولتكن كالضوء المشع الذي يظهر في نهاية النفق.