في مسألة التعمين والتعريب

 

 

عبدالله العليان

الحديثُ عن التعمين وضرورته الاجتماعية والاقتصادية حديثٌ يعدُّ ويستمرُّ كثيراً، قد تحدَّثتُ عنه مراراً في فترات كثيرة، وهذا الأمر لابد له من وقفة جادة لمراجعة نظم التعمين، وهي  مسألة لا تحتاج إلى استيضاح وشرح؛ فقضية تعمين الوظائف تُعدُّ من الأولويات التي تهمُّ الدولة والمواطن والمجتمع، خاصة وأنَّ الظروف الاقتصادية الراهنة لبلادنا -مع انخفاض أسعار النفط، وتوقف التوظيف منذ ما يقرب من عامين، عدا بعض التوظيف المحدود في بعض القطاعات المهمة كضرورة قصوى- يستدعي من الجهات المعنية -وأولها وزارة القوى العاملة، وهيئة القوى العاملة- أن تعيد النظر بكلِّ بجدية في مسألة فرض التعمين على القطاع الأهلي وعلى أسس مقبولة ومعقولة، ويسبقه قبل ذلك ضرورة تطبيق التعريب، في هذين القطاعين تماماً، عدا بعض الوظائف الفنية الدقيقة، التي تستدعيها بعض المهن، وهؤلاء نجدهم من العُمانيين أيضاً، فلا نستطيع أن نحقِّق نجاحاً في هذا القطاع الكبير، إلا بتعريب الوظائف في هذه المؤسسات، على الأقل العُمانية، والأجنبية في بعض مؤسساتها الإدارية التي يُمكن أن تستقبل مئات العُمانيين، والحقيقة أنَّ مسألة التعريب أصبحت ضرورة لازمة لإنجاح التعمين، إذا ما أردنا أن يُسهم في تخفيف الأعباء على الدولة في ظل الظروف الراهنة؛ فقبل أشهر أشرتُ في مقال إلى قصة مشاهدتي إلى عشرات الموظفين الوافدين، يخرجون من دوام إحدى المؤسسات العُمانية في العاصمة مسقط، ولم أر موظفاً عُمانياً مع هؤلاء! وهذه الوظائف في هذه المؤسسة، لا تحتاج إلى خبرات أجنبية؛ فخريجو الثانوية العامة يستطيعون أن يفون بهذه الوظائف، كما أنني زُرت قبل أسابيع إحدى المؤسسات في المنطقة الصناعية بصلالة، وشاهدت عشرات الأجانب يعملون في كل الأقسام الإدارية والفنية، ويشكلون الأغلبية في هذه الوظائف!! لماذا يحدث هذا؟ وكيف سيتحقَّق التعمين في ظل الغالبية من هؤلاء في هذه الوظائف في هذا القطاع؟ المسألة تحتاج إلى مراجعة جدية من وزارة القوى العاملة، ومن الهيئة العامة للقوى العاملة، صحيح أن الهيئة قامت بجهود في مجال التعمين في الفترة الماضية، ولا تزال تعلب هذا الدور لا شك، لكنها تحتاج إلى قوانين بإلزام الشركات والمؤسسات بتطبيق التعمين، وقبل ذلك أهمية التعريب، فالكثير من دول العالم، تفرض لغتها في كل الوظائف الرسمية والخاصة، وهذا حق وواجب أن يتم تطبيق اللغة الرسمية في كل القطاعات العامة والخاصة: لماذا أن تترك الشركات والمؤسسات العُمانية (يا للغرابة!!)، تطبيق نظم المعاملات باللغات الأجنبية، حتى الإدارية منها؟! هذا الأمر يجب أن لا يستمر، إذا ما أردنا أن ننجح في فرض التعمين، وأن يستوعب مئات آلاف خلال الأعوام الماضية، ومن خلال المخرجات العُمانية في شتى التخصُّصات؛ لذلك يجب أن نعزز اللغة الوطنية، ونجعلها أساسية في كل تعاملاتنا الإدارية والفنية، وهذا يتطلب أن نركز على التعريب وتطبيقه واقعياً وليس اسميا؛ فاشتراط اللغة الأجنبية في بعض الشركات والمؤسسات هي فرصة متاحة للعامل الأجنبي لأخذ موقع الوظيفة من العُماني، بصورة واضحة وجلية، وتقفل الأبواب أمام العامل الوطني، ولو نزور شركات السيارات، فإننا سنستغرب ونضع علامات استفهام كثيرة؛ لأنَّ أغلب الوظائف الكبيرة بيد الأجانب في هذا القطاع، والغريب أن بعضها إدارية بحتة، وليست فنية دقيقة، نحتاج فيها للوافد بحكم ربما خبرته الفنية، والآن بعد 46 عاما من المخرجات العُمانية في كلِّ التخصصات، لم يعد هناك نقاش في أنَّ الحاجة للخبرة الأجنبية مُتاح على مصراعيه؛ فالكثير من الشباب الذين تخرجوا في أواخر السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، هم الآن في مستوى الخبراء، بعد أكثر من 30 عاماً في العمل الإداري والفني في الكثير من الهيئات العامة والخاصة؛ فخبراتنا جاهزة وقادرة على العمل المتقن، وهذا حصل في الكثير من القطاعات الكبيرة التي أسندت إلى الشباب العُماني المؤهل، وأصبح الآن خبيراً وناجحاً، إداريًّا وفنيًّا، وهذا يجعل الكرة في ملعب كل المؤسسات والشركات التي تريد الكفاءات الوطنية المؤهلة حقيقة.

فغياب التعريب في أغلب الشركات والمؤسسات، من الأسباب الكبيرة والمهمة لعدم تحقق التعمين في كل القطاعات المهمة في العقود الماضية، فلن ينجح التعمين الذي يؤسس لتطبيق ناجح في كل المجالات إلا بالتعريب والجدية في فرضه، عندما تتحقق الكفاءة في العُمانيين، مع وجود خبرة لغوية أجنبية في بعض التخصصات التي تطلبها ضرورات العمل الفني، وتلك مُعادلة ثابتة، لا ستطيع تجاهلها. وهذا بلا شك أعطت الفرصة للقيادات الأجنبية في الكثير من الشركات والمؤسسات، حصار التعمين في حدوده الضيقة في فترة من الفترات؛ لأنهم هم القيادات في بعض الشركات والمؤسسات، صحيح أنَّ الكثير من الشركات الوطنية العُمانية أعطت الفرصة للشباب العُماني المؤهل في قطاعات كثيرة في السنوات الماضية، وفي قطاعات كبيرة، لكننا لا نزال نحتاج إلى تحقق التعمين بصورة أكبر، فلا بعد لهذا القطاع أن يساند الدولة وأن يستوعب الكثير من المخرجات، لكنني أرى أن خطوة التعريب، ولو بالتدريج ضرورة لا غنى عنها، ولابد من حملة وطنية لفرض التعريب، ومن خلال الكفاءات العُمانية في المخرجات، وهذا ما نتمناه عاجلاً وليس آجلاً. البعض يرى أن بعض الشركات والمؤسسات تفضل أن يعمل الوافد ليس بسبب عدم رضا عن العُماني وعن كفاءته، بل بسبب أن الراتب الذي يعطى للعُماني أكبر من الراتب للوافد، ولكن لو حسبنا الكثير من المزايا للوافد، ومبالغ الإقامة والتذاكر والسكن...إلخ، سنجد الفارق ضئيلاً، ولو قدَّرنا أنَّ العُماني راتبه أكبر من الوافد في بعض القطاعات، بعد صدور القوانين الجديدة منذ سنوات في القطاع الخاص؛ فهذا يمثل قضية وطنية، كما هي الضرائب التي تفرضها الدولة مقابل خدمات كثيرة تقدم للمواطنين، وهذه هي مستلزمات وضرورات الاجتماع الإنساني ومتطلباته الواقعية.

كما أن الوطن ذاته يتطلَّب أن تُقدَّم مصلحته فوق كل المصالح الخاصة، وهنا يجب أن تتم التضحية من أجله، وله الكثير من الإيجابيات، لو نحسب حساب الربح والخسارة بعيداً عن الحسابات الأخرى؛ لأنَّ الوطن يظل أسمى من كل المصالح الأخرى... وهي رسالة لمن يهمه الأمر والحسم.