استثمار العقول

 

 

حاتم الطائي (مقال "روَّادنا")

يحتلُّ الحديث عن بناء رأس مال بشري قوي صَدَارة اهتمامات الجميع هذه الأيام، خصوصا وأنَّ الآمال تنشد تعزيزَ وتحفيزَ الإنتاج، وتقليل حجم الصَّدمات التي يُواجهها الاقتصاد العالمي -واقتصادنا الوطني كجزء منه بلا شك- على وقع الهزَّات التي تحدُث هنا وهناك.. الأمر الذي يضع تأهيل العنصر البشري على قائمة المهام الوطنية؛ التي تتطلب تضافر الجهود للارتقاء به من أجل الحفاظ على مُكتسباتنا التنموية.

واليوم، ونحن ننشد التنافس الحقيقي بين مُؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها لبنة مهمة في منظومتنا الاقتصادية نُعوِّل عليها الكثير، تتجلَّى أهمية الثروة البشرية كونها دُعامة تطوير وضمانة نماء لهذا القطاع الواعد، فكلما ازدادت معدَّلات المعرفة لدى الموظفين زادت قدراتهم العقلية والإبداعية، وهو ما يُشكِّل في الأساس الميزة التنافسية، لا سيما بعدما تبين تفوق العنصر غير الملموس لقيمة التكنولوجيا المتقدِّمة على القيم الحقيقية لموجوداتها الحسية كالأبنية والمعدات.

ولعلَّ حديثا كهذا، يستتبع التأكيد على نقاط مهمة لتعزيز مهاريات كوادرنا الوطنية ورواد الأعمال؛ بُما يحفِّز إسهاماتهم التنموية؛ وعلى رأسها: إنشاء معاهد مُتخصِّصة لرفع مستوى الوعي المهني لرواد الأعمال وتكثيف البرامج التدريبية الفنية لرفع مهاريات العاملين، وتحفيز عمليات البحث العلمي والتطبيقي المرتبطة بالمشروعات الصناعية الصغيرة والمتوسطة، وتحديث التعليم المهني، وإنشاء نظام خاص بالدعم الفني يقدِّم خدمات إرشادية لأبنائنا الشباب، وعدم اعتبار المشروعات الصغيرة والمتوسطة كيانات مُنفصلة، بل هي جزء من مجموعة مترابطة ذات علاقات متداخلة من التعاون والتنسيق فيما بينها.

كما تحتاج خطة تأهيل كوادرنا الوطنية كذلك تطوير وإعداد خطط إستراتيجية تستوعب مفاهيم وأهداف "الاستثمار البشري"؛ بما يُشجِّع على الابتكار والإبداع ويفسح المجال أمام الشباب لتقديم أفكار جديدة تهدف للتميز والتفوُّق، واضطلاع إعلامنا المحلي بدوره في نشر ثقافة المعرفة وتشجيع المؤسسات والأفراد على ضرورة استيعاب مفاهيم الاستثمار في العقول ومكوناته وطرق قياسه، وتسليط الضوء على التجارب الناجحة، واستقطاب المواهب والكفاءات ورعايتها عن طريق برامج ابتكارية تدعم القدرات التنافسية.

... إنَّ رأس المال البشري باعتباره أحد عوامل الإنتاج الأساسية، وضرورة تحسين استثماره، أمرٌ ضروريٌّ لنمو اقتصادي كامل الأركان. وفي رحلة البحث عن حلول مُستدامة تَضْمَن مواصلة مسيرة النماء؛ لا يُمكن ألبتة إهمالَ تلك الكنوز والثروات البشرية؛ لما تشكله من عامل مهم وفعَّال لتحسين بيئة الاقتصاد، مما يضع على أكتاف الجميع مسؤولية تأهيل وتدريب ورفع كفاءة أبنائنا روَّاد الأعمال.

تعليق عبر الفيس بوك