القوة الناعمة العربية

 

عبيدلي العبيدلي

في عددها رقم 33 من المجلد الثاني، الصادر في 24 أغسطس 2016، تصدر غلاف مجلة (NEWSWEEK: MIDDLE EAST) عنوان المقالة الرئيسة في ذلك العدد، "القوة الناعمة في الشرق الأوسط"، من اعداد الإعلامية ليلى حاطوم والكاتب بلال عزيز. ركزت المقالة على مشاركة المرأة في الحياة السياسية العربية، انطلاقا من اعتبار الموارد البشرية إحد مصادر القوة الناعمة الرئيسة.

وتنطلق المقالة من قناعة بتدني نسبة مشاركة المرأة العربية، بوصف كونها واحدة من مصادر القوة الناعمة المحلية، في الحياة السياسية العربية، مستندة في ذلك إلى إحصائية نشرها البنك الدولي، تؤكد على "أن نسبة المقاعد التي تشغلها النساء في البرلمانات الوطنية في جميع أنحاء العالم في عام 2015 بلغت 22.9 بالمئة.  وكان عدد المقاعد التي تشغلها النساء في العالم العربي بين الأدنى. وكما جاء في مقدمة المقالة، تلقي المجلة “نظرة فاحصة على عدد وتوزيع الإناث السياسيين بمن فيهم البرلمانيون والوزراء والقادة السياسيين عبر 17 دولة عربية تمتد من المغرب إلى المشرق العربي، مروراً بمنطقة الخليج العربي".

وعند إطلالتها على دول الجزيرة العربية تتوقف المقالة عند السعودية، مشيرة إلى أنه "في العام 2015، تمكنت 20 امرأة من الفوز في انتخابات المجالس البلدية في المملكة العربية السعودية. وتنقل المجلة عن نائب ولي عهد المملكة الأمير سلمان بن محمد قوله "لا تواجهنا أية عقبات، منوهة إلى إنه في العام 2013 تم انتخاب، (لأول مرة في تاريخ المملكة)
  حوالي 30 امرأة لعضوية لمجلس الشورى السعودي البالغ عدد أفراده 150 عضوا".

ومن الدراسات المهمة في تقويم حجم القوة الناعمة العربية كتاب الباحث اللبناني علي حرب الذي حمل عنوان "ثورات القوة الناعمة في العالم العربي: نحو تفكيك الدكتاتوريات والأصوليات"، الصادر في العام 2011 عن الدار العربية للعلوم ناشرون.

وتجمع الدراسات على أن ناحت مصطلح "القوة الناعمة هو عالِم السياسة الأمريكي جوزيف ناي الذي سعى إلى وضع أسسه بالنسبة للدولة في كتابه: (القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية)، حيث قام بدراسة مصادر القوة الناعمة للعديد من الدول، كما قدم توصيات في مختلف المجالات لرفد القوة الناعمة الأمريكية، وجادل بأهميتها مقارنة بالقوة الصلبة. وفي ثنايا الكتاب يقدم العديد من التعريفات لها فنجده يقول: هي تعني جعل الآخرين يريدون ما تريد. وفي موضع آخر (من الكتاب يرى ناي أنها) تعني حشد تعاون الآخرين دون تهديدات أو دفع أموال (".

وكما تنقل تلك المصادر، فقد حصر "جوزيف ناي مصادر القوة الناعمة"، في مجموعة من العوامل هي:

"1- الثقافة (في الأماكن التي تكون فيها جذابة للآخرين) 2- القيم السياسية (عندما يتم تطبيقها بإخلاص في الداخل والخارج). 3 - السياسة الخارجية (عندما يرى الآخرون أنها شرعية وأن لها سلطة معنوية أخلاقية)، (منوها إلى) إنه في السياسة الدولية، تنشأ الموارد المنتجة للقوة الناعمة إلى حد كبير من القيم التي تعبّر عنها منظمة أو بلد ما في ثقافته، وفي الأمثلة التي تضربها ممارساته الداخلية والسياسية، وفي الطريقة التي يعالج بها علاقته مع الآخرين".

وعند الحديث عن القوة الناعمة العربية يذهب الكثيرون إلى أن العرب، كما توحي مقالة مجلة النيوزويك المشار لها أعلاه، كمحور سياسي أساس في صنع سياسات منطقة الشرق الأوسط، لم يتمكنوا من بناء قوتهم السياسية الناعمة المطلوبة القادرة على التأثير بعمق في مجريات الأوضاع في هذه المنطقة. فهم ما يزالون يركنون إلى المقاييس التقليدية في تقويم القوى، ولذلك نراهم مستمرون في تكديس الأسلحة، بكميات متزايدة، وبأسعار باهضة باتت تلتهم نسبة عالية من الدخل القومي العربي. مثل هذه الضعف العربي في مجال القوة الناعمة ترصده المصادر الصينية عند محاولتها اختراق السيطرة الغربية على مجريات الأمور في منطقة الشرق الأوسط فنجدها تقول " تعتبر أمريكا قوة صلبة، وما تزال قوية في منطقة الشرق الاوسط، والقوة الناعمة (أو التأثيرات) لا تزال عميقة جدا. وفي المقابل، فإن التبادلات الثقافية بين الصين والشرق الاوسط لا تزال نادرة نسبياً، لذا يجب أن تكون القوة الناعمة في الشرق الاوسط أفضل".

وفي السياق ذاته، ينقل عن حرب في كتابه المشار إليه سابقا قوله – مشيرا إلى ضعف القوة الناعمة العربية-  أنه على الرغم من “أنّ العالم العربي بلغ مأزقه الحضاري منذ زمن، بمختلف عناوينه ونسخه، فإنّ العرب تأخّروا في الانخراط في تغيير واقعهم والمشاركة في التحوّلات العالمية، على غرار ما جرى في غير بلد ومنطقة وعلى غير مستوى وصعيد. وحتّى عندما انهار المعسكر الاشتراكي، بشعاراته ودوله، استمرت الأنظمة العربية التي احتذت نموذجه أو دارت في فلكه ووقفت في صفّه. والنّتيجة مزيد من التّراجع والتخلّف. ولا غرابة؟ فمن لا يحسن أن يتغير بفهم المجريات وإدارة التّحوّلات، لا يحافظ على ثوابته وخصوصيته، بل يعود القهقرى الى الوراء في واقعٍ كونيّ سِمته الحراك الدائم والتغيّر المتسارع".

مقابل ذلك، وانطلاقا من استحالة فصل ما يجري في المنطقة العربية عن تدخلات القوة الناعمة الإقليمية في تلك التطورات، يجدر التوقف عند القوة الناعمة التي بحوزة قوة إقليمية مثل إيران، التي يقول عنها الكاتب مسلم عباس، مشيرا إلى تناميها، "ومما يدعم وسائل القوة الناعمة لدى إيران هو تصدير نفسها كدولة مستقرة وسط منطقة تسودها الصراعات وتحدث المركز العربي للبحوث والدراسات في تقرير له على ان إيران تقدم نفسها إلى العالم بوصفها الدولة الأكثر اعتدالا في الشرق الأوسط والأكثر أمنا بين دوله المختلفة، بما في ذلك إسرائيل وتركيا... ومن المرجح (وفقا لمنطق عباس)  أن تعتمد أوروبا والولايات المتحدة على إيران كلاعب إقليمي رئيسي في الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس المقبلة على الأقل".

والسؤال هنا متى يعي العرب أهمية القوة الناعمة في العلاقات الدولية، ويشرعوا في التأسيس لقوتهم المؤثرة في مجرياتها؟