النظرة السوداويَّة والمسؤول الحكومي

 

خلفان الطوقي

في حياتنا اليوميَّة عادةً تغلب على طبائعنا نظرة التشكيك، والتي أضحت جزءًا من تكوين كياننا البشري. وأمام حقيقة كهذه، نحن مُطالبون بتقبُّل الفكرة والتعاطي معها بطرق سليمة. ولا ريب أنَّ السمة هذه لم تأتِ من فراغ بل تضافرت أسباب عديدة في خلقها وبلورتها وشيوعها بين الأفراد؛ لعلَّ في مقدمتها: المشاركة الضئيلة التي اصطلح عليها الفرد في إدارة مشاريع الحياة في الماضي، والتي تكاد تكون معدومة في بعض الحُقب الزمنية. غير أنَّ التفاعلَ الاجتماعيَّ الإلكتروني في الوقت الحاضر قد غيَّر إيجابيا من مستوى مُشاركة الفرد في الحياة العامة، وإن لم تأتِ بشكل مرحلي مُتدرِّج. أضف إلى ذلك أنَّ الإخفاقات والتجارب المريرة التي مرَّت وتمرُّ بها بعض المشاريع الحكومية قد أسهمت بشكل كبير في خلق صفة التشاؤم لدى الفرد، ولا يبدو أنَّ محو تلك النظرة سهل المنال، كما أنَّ العامل الاقتصادي والمتمثل بانخفاض أسعار النفط قد أثر بشكل أو بآخر في تعزيز هذه الصفة لدى الفرد.

لاشك أنَّ الشخص في موقع المسؤولية أو المؤسسة (الذكية) يُمثل مفتاحَ النجاح في أي تعاطي إيجابي مع هذه النظرة السلبية أو من يُصدرها؛ فلا يُحبَّذ التحسُّس من هذه النقلة النوعية من التعاطي والحوار الإلكتروني، بل يجب النظر إليها كمنظومة عصرية تشمل الكلَّ -أفرادا ومسؤوليين- قد يبدو انصهار المسؤول في هذه المنظومة صعبًا لأول وهلة، ولكن بتتبُّع بعض الخطوات فإنَّ المهمة تصبح مُمكنة.. والخطوات هي:

- النظر إلى أيِّ نقد سلبي باعتباره نظرة من زاوية مختلفة (different hat)، خصوصا فيما يحدث للقرارات الجوهرية في المؤسسات الكبيرة؛ حيث غالباً ما تجد في مجالس الإدارة قبعات كثيرة ونقاشا وجدالا، والهدف منها الوصول إلى قرارات سليمة ومتينة في نهاية المطاف.

- أن يشجع المسؤول الحوارَ سعيًا وراء الاستفادة من الحوار المجتمعي، وبذلك سينال القيمة المضافة من الآخرين -المجتمع- بدلا من المواجهة والمكابرة والعناد والتي غالبا ما تؤدي إلى اتساع الهوَّة بينه وبين الأفراد؛ لذا فإنَّ اتباع مفهوم الاحتواء الحقيقي يمثل الحل الأمثل للمؤسسة.

- الفعل والأداء الاستباقي، مُفاده الخروج للعامة وتبليغهم بالخطط التي تسهر المؤسسة على تنفيذها، وبيان ما تم تنفيذه وإبداء الشفافية في بيان الجزئية التي أخفقت المؤسسة في تنفيذها مع بيان الأسباب التي وَقَفت وراء الإخفاق الحاصل، مُبينا في الوقت نفسه الأسس التصحيحية التي تتَّخذها المؤسسة لتصحيح مسار العمل. وهذا السلوك يجب أن يتحوَّل إلى جزء من ثقافة المؤسسة في مُختلف الأوقات، في الظروف الاعتيادية وأوقات الأزمات. وهكذا فإنْ وقفت الحكومة بجانب المجتمع كان الأخير بجانب الأولى؛ فلا يمكن للمجتمع أن يُبادل الحوار مع الحكومة في الوقت الذي تختاره الحكومة فقط، إذ لا يُحبذ ترك المسألة لمشيئة الحكومة إن شاءت صارحت المجتمع، وإن شاءت ابتعدت عنه.

- على المسؤول الحكومي أن يعتبر مثل هذا التجاوب السلبي فرصة سانحة لكي يتواصل مع الجمهور. ومن خلال ذلك يُمكن أن يُبرز إنجازات مؤسسته، ودعاية مجانية لتوصيل رسالته.

.. وسيرا مع الخطوات المبيَّنة أعلاه، فإنَّ الحكومة إنْ استطعت احتواء المشككين، فإن ذلك سيغيِّر من طبائعهم ويجعلهم مُتعاونين مع الحكومة، بدلا من إبداء الشك في كل ما تقوم به الحكومة؛ فالمسالة تبدو مُتبادلة فلا يكفي فقط أن يُطلب من الفرد أن يكون مرنًا، بل بالمقابل مرونة المسؤول أو الموظف مطلوبة، وإلا فإن الأجدر بالمسؤول أن يترك موقع المسؤولية لشخص آخر يكون قادرا على التحلي بروح المرونة.

خلاصة القول، إذا كانت المؤسسة الحكومية صادقة فيما تقوم به وليست للأشخاص الذين يديرونها أية منافع أو مكاسب شخصية، فلا ضَيْر من أن تُبادر -وبكل الأدوات الإعلامية المتاحة: الإلكترونية والتقليدية- إلى مُصارحة الفرد بكل ما تقوم به حرصًا منها على الاحتفاظ بالقدر اللازم من الشفافية بينها وبين الفرد، والتي أصبحت من سمات المجتمعات المتطورة في الوقت الحاضر.