لنهدم جدارَ البيروقراطية..!

 

حَمَد العلوي

إلى متى سيظل الروتين والبيروقراطية هُما أُمَّ المشاكل التي تواجهنا في عالم الاقتصاد، رغم المساعي والخطط الحكومية التي تعمل بكل جهد لإزالة تلك العقبة الكأداء من طريق المستثمرين؟!

ما دفعني لهذا التساؤل هو حكايات سمعتها مُؤخرا من بعض المراجعين الذي أبدوا ضيقهم من سير العمل بإحدى الجهات الحكومية، على وقع تصرفات بعض الموظفين ممن يتمسكون بطريقة "الممنوع الأسهل" كي لا يُخطئوا، حتى لو عرقلوا العمل، وعطلوا إنجاز المعاملات.

وبحسب رواية من سمعتهم، أنَّ الآمال العريضة التي بنوها فور إعلان حكومتنا الرشيدة عن انتهاج شعار "استثمر بسهولة"، للأسف بدأت تتبخر في الهواء، بسبب ما يحويه البرنامج من "طلاسم ولوغاريتمات" (بحسب وصفهم) لا يفُكها إلا الراسخون في العلم من أصحاب مكاتب "سند" المتخصصة فقط، وأنَّ هناك العديد من التحديات لا تزال تعترض طريق المُستثمر؛ منها: أن المستثمر لا يستطيع أن يأتي بنشاط من خارج القائمة التي غُذي بها الحاسب الآلي، من خلال برنامج مُغلق على نفسه، أو أن يضطرك "حظك العثر" لأن تقف أمام الموظف بعد طابور طويل لتفاجأ به يخبرك بكل تأسف: "النظام توقف". لتجلس بعدها إلى أحد الكراسي الموجودة هنا أو هناك فتفتح "الواتساب" لتسلِّي نفسك به حتى يعود النظام للعمل مجددًا، أو ينتهي الدوام، فأيهما الأقرب بحسب الحظ، وهذا بالطبع وارد الحدوث، وبكثرة مُتكرِّرة.. فعندئذ ليس بوسعك إلا أن يضيع منك يوم آخر لمراجعة نفس الموظف ونفس الشباك مرة أخرى "وأنت وحظك".

... إنَّ آفتيْ الروتين والبيروقراطية اثنان من أبرز معوقات العمل، وكثيرون من مراجعي المؤسسات غير من اطَّلعت على مشكلاتهم، يُمكنهم أن يسردوا لك قصصا عن معاناتهم في تسيير أعمالهم ومتابعة معاملاتهم وما يُطلب منهم، ويؤكدون أن هناك صعوبات غير مقبولة نظرا للتأخير وكثرة التردُّد على الدوائر المعنية بشكل عام. ولا يفوتني في هذا السياق أن أذكر أن أحد المستثمرين انفجر غاضبا عندما قال لي: "لولا أنني أنفقت أموالا طائلة على المشروع الاستثماري المتقدم لإنهاء معاملته، لما استمررت في هذا التعب والتردد لإنجاز أعمال يُفترض أنها بسيطة وغير مكلفة ماديا ومعنويا".

والسؤال: هل من المعقول أن يكون الاستثمار سهلاً عندما تتولى جهة واحدة فقط كل الخطوات، وتلك الجهة هي من سيتكفل بالإتيان بكل الموافقات والتراخيص، وأن يُدرَّب فريق عمل تدريبًا جيدا لتنفيذ مشاريع الاستثمار السهل؟!

إننا اليوم ونحن نتنسم نفحات نهضتنا المباركة ونتلمس ما تحقق لهذا الوطن على مدى سنوات مضت، لنستغرب كل الاستغراب أن يبقى الواقع هو ذاته الواقع الذي عايشناه في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والذي كانت تتجلى فيه صورة الموظف البيروقراطي الذي يحمل في يده صحيفة وفي الأخرى فنجان القهوة، فيسحل نظارته يتمعن بك من تحت إلى فوق، ويصمت برهة ثم يصدر أمره الحازم "أن راجِعني باكر، أو الأسبوع القادم".. مؤسف حقًّا أن مثل هذه النماذج غير المسؤولة بل وغير المؤهلة، هي من تسيطر على القرار في مؤسساتنا، وتعطل مصالح الناس دون رادع من ضمير، أو حتى خشية من مسؤول، بما يسببه هذا الاستخفاف والتهاون في التعامل مع البشر.

إنَّ الأداء الحكومي بلاشك يحتاج إلى وقفة تقييم ومراجعة، وتطوير الناجح منها، والوقوف على سلبيات ما لم ينجح، ومعرفة المعوقات لتجنبها في المرات المقبلة، ناهيك عن أننا نواجه أزمة أخرى وهي الإخفاق الكبير لبرامج تطوير الموارد البشرية التي يقول واقعنا بأنها لم تؤتِ أكلها بقدر ما أُنفق عليه من مئات الآلاف من الريالات، كما أدعو كافة أجهزتنا وأصحاب المسؤولية في مؤسساتنا إلى تبسيط الإجراءات الحكومية بالشكل الذي يضمن وجود الرقابة بعيدا عن التعقيد والتكلف.. فعُمان بلا شك تستحق منا مزيدا من المسؤولية في التعاطي مع مثل هذه الأمور.

 

Safeway.om@gmail.com

الأكثر قراءة