اعتقال أكثر من 1500 عسكري وعزل 2745 قاضيا ومقتل 160 وإصابة 1440 في أعمال عنف

تركيا: أردوغان يوظف محاولة الانقلاب لصالحه ويعتبرها "هدية من الله" للتخلص من خصومه في الجيش والقضاء

< تقنيات التواصل الاجتماعي تنقذ الرئيس التركي وتنقل صوته للعالم رغم عدائه لها

< استسلام 80 جنديا على جسر البوسفور وميدان تقسيم.. وأنصار الحكومة يوسعونهم ضربا

< طائرات الانقلابيين تطلق النار 3 مرات على البرلمان ومقر وكالة المخابرات

خاضتْ قوات مُوالية للحكومة التركية، أمس، معركة لـ"سحق" ما تبقَّى من مُحاولة انقلاب عسكري فشلتْ، بعد أنْ لبَّت الجماهير دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للنزول للشوارع، وتخلَّى عشرات من المتمردين عن دباباتهم. وبدا أنَّ أردوغان يتَّهم مُدبِّري الانقلاب بمحاولة قتله، ووعد بتطهير القوات المسلحة التي سبق ونفذت عددا من الانقلابات العسكرية الناجحة رغم أنَّ آخرها كان من أكثر من 30 عاما. وقال أردوغان: "سيدفعون ثمنا باهظا لهذا. هذه الانتفاضة هي هدية من الله لنا لأنها ستكون سببا في تطهير جيشنا".

وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، إنَّ أكثرَ من 160 شخصا قتلوا وأصيب 1440 في أعمال عنف اندلعت في وقت متأخر يوم الجمعة، بعد أنْ حاول قطاع من القوات المسلحة السيطرة على السلطة باستخدام الدبابات وطائرات الهليكوبتر الهجومية التي هاجم بعضها مقرَّ المخابرات التركية والبرلمان في أنقرة، بينما سَيْطَر البعضُ الآخر على جسر مهم في إسطنبول. وقالت وسائل إعلام تركية إنَّ أجهزة القضاء عزلت 2745 قاضيا بعد محاولة الانقلاب، وقد عيَّنتْ وزارة العدل 40 مدعيا عاما للتحقيق في محاولة الانقلاب.

أنقرة - الوكالات

وفي وقت لاحق، حذَّرتْ الرئاسة التركية على تويتر من أنَّه من الممكن تنفيذ محاولة انقلاب أخرى في أي وقت. وقال مسؤولون إنَّ السلطات التركية اعتقلت بالفعل نحو 1500 من أفراد القوات المسلحة. وذكر مسؤول كبير أنه جرى إنقاذ رئيس هيئة الأركان خلوصي عكار الذي وردت أنباء عن أنه محتجز من قبل المتمردين.

ولو كانتْ نجحت محاولة الإطاحة بأردوغان -الذي يحكم تركيا منذ 2003- لكانت مثَّلت أحد أكبر التحولات في الشرق الأوسط منذ سنوات، فضلا عن تحول كبير في أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة، في الوقت الذي تحتدم فيه الحرب على حدودها. لكن فشل محاولة الانقلاب قد يؤدي أيضا إلى زعزعة استقرار بلد عضو في حلف شمال الأطلسي يقع بين الاتحاد الأوروبي والفوضى في سوريا، في الوقت الذي يستهدف فيه انتحاريون من تنظيم الدولة الإسلامية المدن التركية، وتخوض الحكومة حربا مع انفصاليين أكراد.

وتوجَّه أردوغان -الذي كان يقضي عطلة على الساحل، عندما وقع الانقلاب- إلى اسطنبول جوًّا قبل الفجر، وظهر على شاشة التليفزيون وسط حشود من المؤيدين خارج المطار الذي فشل مدبرو الانقلاب في تأمينه. وفي كلمة لحشد من آلاف المؤيدين في المطار، قال أردوغان في وقت لاحق إن الحكومة لا تزال تتولى الدفة رغم أن الاضطرابات لا تزال مستمرة في أنقرة.

وقال أردوغان إن مدبري الانقلاب حاولوا مهاجمته في منتجع مرمرة. وتابع قوله: "قصفوا أماكن بعد رحيلي عنها مباشرة. اعتقدوا على الأرجح أننا كنا لا نزال هناك". وقال القائم بأعمال القوات المسلحة أوميت دوندار، إن الخسائر كانت فادحة فمن بين 90 قتيلا كان 47 من المدنيين بينما أصيب 1154 آخرون.

وفي بيان بثته قناة "سي.إن.إن-تورك" على الهواء مباشرة، قال دوندار إن المتمردين احتجزوا الكثير من القادة العسكريين، لكنه أعلن أن تركيا "طوت صفحة" الانقلابات للأبد.. وقال مسؤول إن عمليات تشمل قوات خاصة للشرطة إلى جانب الجيش لا تزال مستمرة لاستعادة السيطرة على مقر القوات المسلحة في اسطنبول.

وقال يلدريم إن محاولة الانقلاب هي "بقعة سوداء" على الديمقراطية التركية، لكنَّ الشعب قدم "أفضل رد" للإرهابيين. وخلال مؤتمر صحفي في أنقرة، قال يلدريم: إن أعضاء في "هيكل مواز" -وهو اختصار حكومي تشير به الحكومة لأنصار رجل الدين المقيم في أمريكا فتح الله كولن- يقفون بين يدي العدالة الآن.

وقالت وزارة الأمن العام وحماية المواطنين في اليونان، إنَّ السلطات اعتقلت ثمانية رجال كانوا على متن طائرة هليكوبتر عسكرية تركية هبطت في مدينة أليكساندروبوليس شمال البلاد في منتصف النهار يوم السبت. وأضافت الوزارة أن المعتقلين الثمانية طلبوا اللجوء السياسي. وقال تليفزيون "إي.آر.تي" الرسمي اليوناني، إنَّ الرجال كانوا مشتركين في محاولة الانقلاب العسكرية التي وقعت في تركيا يوم الجمعة.

وفي ليلة شابتها الغرابة في بعض الأحيان، استخدم أردوغان مواقع التواصل الاجتماعي للحديث إلى الشعب التركي -رغم عداوته المعلنة لمثل هذه التقنيات عندما يستخدمها معارضوه واستهدافه المتكرر لفيسبوك وتويتر.

وفي مرحلة ما، استطاع أردوغان أن يلقي خطابا للأمة عبر خدمة اتصال بالفيديو، وظهر على شاشة هاتف محمول ذكي لمذيعة في قناة "سي.إن.إن-ترك"، والتي رفعت هاتفها أمام الكاميرا في الاستوديو حتى يتسنى للمشاهدين أن يروا أردوغان.. وقال أردوغان إن محاولة الانقلاب تمت بتشجيع من "هيكل مواز" في إشارة لأنصار كولن الذي يتهمه أردوغان مرارا بأنه يحاول تأجيج تمرد داخل الجيش والإعلام والقضاء.

وكان كولن -الذي يعيش في المنفى الاختياري في الولايات المتحدة- مؤيدا لأردوغان في فترة ما، لكنه أصبح خصما له. وأدان تحالف القيم المشتركة المؤيد لكولن أي تدخل عسكري في السياسة الداخلية. وقال القطاع المؤيد للانقلاب -في بيان بالبريد الإلكتروني، من عنوان المكتب الإعلامي لرئاسة هيئة الأركان التركية- إنه لا يزال عازما على مواصلة القتال، واصفا نفسه بحركة السلام في الداخل، ودعا القطاع أيضا الشعب للبقاء بالداخل حرصا على سلامتهم.

وهزَّتْ انفجارات وأصوات إطلاق النار إسطنبول والعاصمة أنقرة في ليلة اتَّسمت بالفوضى بعد أن سيطر جنود على مواقع في المدينتين وأمروا التليفزيون الحكومي بتلاوة بيان أعلنوا فيه السيطرة على السلطة. لكن بحلول الفجر تراجعت أصداء المعارك بشكل كبير.

واستسلمَ نحو 50 جنديا شاركوا في الانقلاب على أحد الجسور عبر مضيق البوسفور في إسطنبول بعد فجر السبت، وتركوا دباباتهم ورفعوا أيديهم في الهواء. ورأى شهود من رويترز أنصار الحكومة وهم يهاجمون جنودا مؤيدين للانقلاب بعد استسلامهم. وفي وقت سابق، سلَّم نحو 30 جنديا مؤيدا للانقلاب أسلحتهم بعد أن حاصرتهم الشرطة المسلحة في ميدان تقسيم بوسط إسطنبول.

وقد تمَّ اقتيادهم في سيارات الشرطة، بينما مرَّت طائرة مقاتلة مرارا على ارتفاع منخفض مما تسبب في اهتزاز المباني المحيطة وتحطيم النوافذ.

وبدأ الانقلاب بطائرات حربية وطائرات هليكوبتر تحلق في سماء أنقرة وتحرك جنود لإغلاق جسري مضيق البوسفور الذي يربط أوروبا بآسيا في اسطنبول.

وقالت وكالة جالف إيجنسي للشحن إنَّ السلطات أغلقت المضيق أمام حركة ناقلات النفط. وبحلول الساعات الأولى من صباح السبت استمر المشرعون في الاختباء في الملاجئ داخل مبنى البرلمان في أنقرة بعد أن تعرض المبنى لإطلاق النار من دبابات. وقال شهود من رويترز إن دخانا تصاعد من مكان قريب. وقال نائب معارض لرويترز إن البرلمان تعرض لإطلاق النار ثلاث مرات وأن أناسا أصيبوا.

وذكر مسؤول تركي كبير في وقت لاحق يوم السبت، أنَّ الهجمات على البرلمان "توقفت إلى حد بعيد". ومع انقضاء الليل، تحوَّل الزخم ضد مدبري الانقلاب. وتحدت الحشود أوامر البقاء في منازلهم وتجمعوا في الساحات الرئيسية في اسطنبول وأنقرة ولوحوا بالأعلام ورددوا الهتافات.

وفي حين أخذ أنصار الحكومة في اعتلاء دبابة قرب مطار أتاتورك في اسطنبول، قال أحد الرجال: "لدينا رئيس وزراء، ولدينا رئيس أركان، ولن نترك هذا البلد ينهار".

وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، إنَّه اتصل بنظيره التركي، وأكد "الدعم الكامل لحكومة تركيا المدنية المنتخبة ديمقراطيا والمؤسسات الديمقراطية". ودعا رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إلى عودة سريعة للنظام الدستوري في تركيا.. قائلا إنه لا يمكن حل التوترات هناك بالأسلحة.

وقال أردوغان إن الخطوط الجوية التركية استأنفت رحلاتها أمس. وقالت شركة مطارات ماليزيا التي تشغل مطار صبيحة كوكجن ثاني أكبر مطارات اسطنبول إنها ستواصل تسيير الرحلات من وإلى تركيا.

وسَيْطَر جنود على قناة "تي.آر.تي" الرسمية التي أعلنت حظر تجول على مستوى البلاد وفرض الأحكام العرفية. وتلت مذيعة بيانا بأمر من القطاع المؤيد للانقلاب الذي اتهم الحكومة بتقويض الديمقراطية وحكم القانون. وقال البيان إن تركيا ستدار من "مجلس للسلام" سيضمن سلامة الشعب. وانقطع بث القناة بعدها بفترة قصيرة. واستؤنف بثها في الساعات الأولى من صباح أمس.

وشاهد مراسلون من رويترز طائرة هليكوبتر تفتح النار في أنقرة. وقالت وكالة أنباء الأناضول، إنَّ طائرات هليكوبتر عسكرية أطلقت النار على مقر وكالة المخابرات.

وتركيا أحد الداعمين الرئيسيين لمعارضي الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية. وتستضيف تركيا 2.7 مليون لاجئ سوري وكانت في العام الماضي منصة انطلاق لأكبر تدفق للمهاجرين على أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

واندلع إطلاق النار ابتهاجا في العاصمة السورية دمشق مع انتشار تقارير عن الإطاحة بأردوغان وخرج الناس إلى الشوارع للاحتفال هناك وفي المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في مدينة حلب المقسمة.

وتخوض تركيا حربا ضد انفصاليين أكراد، وتعرضت لسلسلة هجمات بالقنابل وإطلاق النار من بينها هجوم قبل أسبوعين شنه متشددون إسلاميون على المطار الرئيسي في إسطنبول أودى بحياة أكثر من 40 شخصا.

وشغل أردوغان منصب رئيس الوزراء منذ 2003، ثم انتُخب رئيسا للبلاد في 2014، مع خطط لتغيير الدستور لمنح الرئاسة الشرفية إلى حد كبير سلطات تنفيذية أوسع.

وتمتَّعتْ تركيا بطفرة اقتصادية خلال الفترة التي قضاها أردوغان في السلطة، وعززت أيضا نفوذها بشكل كبير في المنطقة. لكن معارضي أردوغان يقولون إن حكمه أصبح شموليا بشكل متزايد. ولفترة طويلة توترت علاقات حزب العدالة والتنمية الحاكم مع الجيش والقوميين في البلاد التي تأسست على مبادئ العلمانية بعد الحرب العالمية الأولى. وللجيش تاريخ من الانقلابات للدفاع عن مبادئ العلمانية، لكنه لم يسيطر على السلطة مباشرة منذ عام 1980.

تعليق عبر الفيس بوك