طالبوا بتكثيف برامج التوعية بأهميّة إعادة دمج السجناء وتوفير فرص عمل لهم

مختصون ومواطنون: ازدراء المجتمع للسجناء السابقين عقوبة إضافية أقسى من الاحتجاز

الرؤية – خاص

قال عدد من المختصين والمواطنين إنّ السجن مؤسسة إصلاحيّة بالأساس قبل أن تكون عقابية؛ لأنّ الهدف في النهاية هو إصلاح حال مرتكب الجريمة وتخليصه من الدوافع المادية والمعنوية التي أدّت به إلى ارتكاب جريمته. وأكدوا أنّ قضاء السجين فترة عقوبته يعني أنّه نال جزاء عمله وانتهى الأمر، ولا يجوز أن يفرض عليه المجتمع عقوبة إضافية تتمثل في النظرة الدونية والاحتقار، ووصمة العار التي تلاحق أفراد عائلته دون ذنب لسنوات طويلة، تكون في العادة أطول من المدة التي قضاها في سجنه. وأشار المشاركون في استطلاع "الرؤية" إلى أهميّة زيادة الوعي المجتمعي بمفاهيم ومعايير إعادة دمج السجناء السابقين في المجتمع من جديد، ومنحهم فرصة للبحث عن عمل دون مضايقات، فضلا عن التسامح فيما يتعلق مع ماضيهم والسماح لهم بتكوين أسرة دون مبالغة في الشكوك في سلوكيّاتهم بعد قضاء عقوبتهم التي من المفترض أنّها ساهمت في تعلمهم الكثير من الدروس الحياتية.

وقال د. سعود الزدجالي خبير تربوي إن دوافع ارتكاب الجريمة والوقوع في الخطأ متعددة بحسب ظروف كل إنسان، وقد بدأ الإنسانُ الأول حياته بالعصيان، لذلك فإنّ هذه الدوافع الظاهرة تنزع كلها إلى الطبيعة الإنسانية النزّاعة إلى التجريب، ولأن "الجريمة" تقع في مجتمع ما، فإنّه لا يمكن والحال هذه إخلاء طرف المجتمع في حدوث الجريمة أو ارتفاع مستواها. ومن هذا المنطلق، فإنّ المجتمع مع احتمال اشتراكه في تشكيل شخصية الإنسان المجرم أو المخطئ، عليه الإسهام فعليا في سبيل إصلاح "الإنسان" الذي وقع في الجريمة من منطلق دوافعه النفسية الإنسانية إن الإصلاح يبدأ من تعديل النظر والاعتقاد حول "الإنسان المتهم" من حيث إعادة إدماجه في الحياة الطبيعية، وتجنب عزله، ليعيش الاغتراب والسجن الخارجي، فإن استمرت نظرة المجتمع للمتهم بازدرائه وعزله، سيكون ذلك دافعا إلى الاستمرار في ارتكاب الجريمة، لذا فإنّ تعديل الاعتقاد ونشر وعي الإدماج، وروح الثقافة العلمية عن "سيكولوجية السجين"، هو الإصلاح الحقيقي بعد قضاء فترة السجن.

وقالت ابتهاج يونس اختصاصية اجتماعية في القسم الجنائي بمستشفى المسرة إنّ صلاحية دمج المحكوم في المجتمع ترتكز على عدة معايير منها ما هو مرتبط بشخصيّة المحكوم عليه، ومنها المرتبط بالإجراءات والبدائل المتوافرة في المجتمع التي تستطيع احتواء المحكوم. أمّا عن المعايير الذاتية فإنّها معايير مرتبطة بشخصية المتهم، ومدى جديته في تغيير أسلوبه، هناك أفراد تتسم شخصيتهم بأنّها عدائية، وهؤلاء يتخذون حكم السجن على أنّه دافع للانتقام ولا يأخذهم أدنى شعور بالذنب، وهم في حاجة إلى تأهيل صارم وعلاج سلوكي، فهناك عادات وانفعالات وسلوكيات تمثل حزمة مؤثرة في شخصية المتهم وهي التي توقعه بالمشكلات، وفي الجانب الثاني هناك أشخاص يريدون التغيير، لكنّهم لم يصلوا إلى مرحلة الثبات والاستمرارية.

وأضافت ابتهاج أنّ المعايير المرتبطة بغير المحكوم منها طول مدة المحكومية التي تجعل المتهم في فراغ وبطالة وبلا مصدر رزق، وهذا ما يعزز نسبة الانتكاسة والرجوع إلى الجريمة، ويقلل من فرص الإصلاح والتغيير للأفضل، إلى جانب محدودية إمكانات التأهيل لهذه الفئة. وأخيرًا ضعف حراك المجتمع المدني، وعدم وجود جمعيّات أهلية تهتم بشؤون هذه الفئة وحقوقهم الإنسانية، وذلك بسبب التشديد بزعم "الخصوصية" وتجنب وصمة العار. وهناك إشكالية في استخدام مصطلح الخصوصية في السياسة الاجتماعية، وهذا ما نتج عنه البطء، والمحدودية وعدم وجود توعية كافية، وعدم توافر البدائل من مراكز تأهيل ومراكز توفر احتياجات هذه الفئة في مدة عطالتهم، وهذا ما يزيد العبء عليهم، وتزيد من وصمة المجتمع. وهناك عامل آخر يكمن في طبع المجتمع الذي يحب الإسقاط واللوم وتحطيم الآخر بدافع الخوف منه، لذلك يجب أن ندرك أنّ الجريمة سببها عدم التوافق الاجتماعي وليس سببا أخلاقيا بالدرجة الأولى، كما أنّ التأهيل يهدف إلى زيادة التوافق وليس العقاب.

وقال يونس المعمري باحث اجتماعي إنّ الوصمة الاجتماعية أداة من أدوات الضبط والعقاب المجتمعي القبلي، وهي ناتجة عن الآلية التي يتبعها المجتمع في معالجة المخالفات، وهي موجودة عند كثير من المجتمعات عبر التاريخ لكنّها تتفاوت من مجتمع لآخر بناء على مدى وعي وإدراك الفاعلين فيه، ومن أشهر ما نعرفه من الوصمات، ما كان من شأن السامري، الذي قيل له "لا مساس" وبهذا فقد خرج من النسيج الاجتماعي المتناسق وأصبح غريبا، وكل غريب يتم نبذه من المجتمع و ما كان من أمر الشيطان الذي وصم بوصمة أبدية وأخرج من المجتمع الملائكي. ونحن نواجه مشكلة من هذا النمط عند تعامل المجتمع مع من يسميهم خريجي السجون حيث ينظر إليهم نظرة ازدراء وانتقاص وعدم ثقة، مهما كانت القضية التي دخل فيها الشخص إلى السجن، ومهما كانت أحقية هذا الدخول من عدمه، وهذه النظرة ناتجة عن التصوّر المغلوط من المجتمع لدور السجن من جهة، وناتجة عن نقص في دور المؤسسة الضبطيّة في أداء عملها، مما ينتج ردة فعل غير واعية من المجتمع، الذي يؤثر سلباً على الفرد والمجتمع بصورة عامة. إنّ الدور الذي تقوم به الوصمة هو تحطيم المكانة الاجتماعيّة للفرد من خلال المصطلح الذي يطلق عليه، وهنا تبرز لنا قوة المصطلح في التأثير على التفاعل المجتمعي في العقلية العربية عامة والخليجية بصورة خاصة، الذي يؤدي إلى محاولة إلغاء وجوده، وعندئذ إلغاء جميع أدواره المنوطة به، سواء كان دورًا عائليا أم مهنيًا أم مجتمعيًا.

وأشار المعمري إلى حرص الإسلام على معالجة هذا الأمر الذي كان منتشراً عند العرب، وذلك بأفكار منها أنّ الإسلام يجب ما قبله، وفكرة الغفران والتوبة، هذه جميعها آليات تعيد للفرد المسلم مكانته الاجتماعية في محيطه، إلا أنّ المنهج العربي في التعامل مع المذنبين ما لبث أن عاد مرة أخرى بعد صدر الإسلام، أمّا المجتمعات المدنية فهي حاولت كذلك أن تقلل من تأثير الوصمة الاجتماعية على الأفراد من خلال تغيير مسمى السجن إلى مسميات من مثل الإصلاحيات، ومن خلال تغيير الصورة الذهنية للسجن من حيث كونه مكاناً نظيفا ومهيئاً للحياة الإنسانية الكريمة، وليس مكانا لإهانة كرامة الإنسان، إلا أنّ هناك تجاوزات كثيرة في كثير من هذه المؤسسات العقابية في عالمنا العربي والخليجي التي تحتاج وقفة صارمة من مؤسسات المجتمع المدني ومن الأفراد الحقوقيين ومن مؤسسات الدولة ذاتها للتصدي لمحاولات تحطيم الإنسان.

وقالت موزة الضويانية إنّ هناك أضرارًا اجتماعيّة تلاحق السجين كعدم تقبل المجتمع له، والنظر إليه بنظرة نمطيّة سيئة، ويعد كوصمة عار له ولأسرته وللأجيال القادمة، وأضافت أنّها توافق على مبدأ إعادة دمج السجين لأنّ الشخص قد أخذ جزاءه ولابد من المجتمع أن يتقبله ويعيد دمجه مع الفئات المختلفة من الأفراد لتستمر حياته كإنسان ولا يعود للانحراف. وتحدثت عن الوصمة الاجتماعيّة التي تلاحقهم وقالت إنّها وصمة سلبية قد تؤدي لأضرار كثيرة على الفرد نفسه والأسرة والمجتمع، حيث يظل الخطأ يلاحقه حتى بعد مماته، وهذه الوصمة من أهم أسباب عودة المجرم لجرمه أو لما هو أعظم بحيث حُكم عليه من قبل المجتمع بأنّه فرد فاسد. وأضافت أنّ من الطبيعي أنّ من ارتكب جرما يُعاقب، لكن السجن مكان للإصلاح وهو ما لن يتحقق إلا بعد عودة السجين للمجتمع الذي من المفترض أن يتقبله بعد قضاء عقوبته.

وقالت ميساء الخروصية إنّ من الأضرار الاجتماعيّة التي تلاحق السجناء السابقين أنّهم يصبحون عالة على المجتمع والناس لا تحب الاختلاط بهم، ويرونهم بنظرة احتقارية وهذا بالطبع يقلل من ثقتهم بأنفسهم. وأضافت أنّه من الواجب أن نوعي المجتمع بأهميّة إعادة دمج السجين في بيئته المجتمعيّة لأنّ كل إنسان يتعلم من خطئه، ولابد أن يتم الترحيب به في مجتمعه من جديد، إلا إذا كانت هناك بعض القضايا الخطيرة المتورط فيها؛ فيكون من الصعب الترحيب بفكرة دمج هؤلاء الأشخاص في المجتمع لأنّ من الممكن أن يتسبب ذلك في أذى للآخرين.

وتحدثت الخروصيّة عن الوصمة الاجتماعيّة التي تلاحق السجناء وقالت إنّ وصمة الإجرام التي يلصقها المجتمع بالشخص المذنب المحكوم عليه تعرضه وتعرض أفراد أسرته إلى كثير من المضايقات الاجتماعيّة، وقد تسد أمامه وأمام أفراد أسرته سبل العيش الكريم والحياة الاجتماعيّة الهادئة المستقرة، وقد تشكل هذه المضايقات ميولا قوية لممارسة الإجرام أشد من السابق. وأضافت أنّ السجن مكان للتربية والتهذيب، حيث إنّ السجين يعاقب على فعله وبالتالي يكون بمثابة درس له. ولكن في الجهة المقابلة هناك الكثير من الآثار النفسية والاجتماعية التي ستواجهه كأن يصبح إنسانا منبوذا في المجتمع وعاطلا عن العمل ويميل إلى الشر.

وذكرت سمية الذهلية أنّ دخول السجن تصاحبه وصمة من الصعب زوالها في المجتمع، حيث يعتبر المسجون في نظر المجتمع إنسان سيء ومن الخطر التعامل معه، ويصعب عليه تكوين أسرة أو الحصول على وظيفة وكذلك فإنّ وجود فرد مسجون يضر بسمعة العائلة ومكانتها حتى ولم يكن لأفرادها ذنب. ومن منطلق أن الإنسان يخطئ ويتوب عن خطئه ويتعلم منه، فمن غير المعقول أن يعتبر الشخص الذي دخل السجن لا فائدة منه للأبد، وإنّما قد يكون إنسانا منتجًا مفيدًا للمجتمع بعد تأهيله وتمكينه لخدمة المجتمع. وأرى أنّ بعض من مروا بتجربة السجن يستحقون وصمة العار الاجتماعية خصوصا أولئك المتورطين بجرائم الشرف والقتل، وذلك لأنّ الدين والمجتمع يقدس النفس ولا يجب إيذاؤها. أمّا الجرائم الأخرى فيجب على المجتمع تخفيف سخطه عليهم حيث من الممكن معاونتهم وتوعية المجتمع بإمكانية إصلاحهم والاستفادة منهم في بناء المجتمع. ولفتت إلى أنّ غياب الوعي بأنّ السجن مكان لإعادة الصلاح إلى نفس المسجون وليس مكانا لهدم الشخص ونفيه عن المجتمع يؤدي إلى انتشار البطالة بين هذه الفئة فضلا عن صعوبة الزواج وتكوين أسرة.

وقالت بسمة المحروقيّة إن هناك مجموعة من الأضرار الاجتماعية التي تلاحق الشخص نفسه كالعزلة والتوحد نتيجة بعده عن ممارسة الطقوس الاجتماعية في ظل طول فترة بقائه في السجن، كما أنّ نظرة المجتمع ستتغير تجاه ذلك الشخص فيصبح منبوذ اجتماعيا في النهاية. ولابد علينا أن نساهم في دمج السجين مع الآخرين لأنّه نال عقابه بشكل كاف وانتهى الأمر، والمجتمع إن أراد الإصلاح عليه اتخاذ هذه الخطوة لكي لا يعود الشخص مرة أخرى للذنب. وأشارت إلى أنّ الوصمة الاجتماعية التي تلاحق السجين غير منصفة وهي وسيلة لتحطيم السجين والتلاعب به وإعادته إلى دوامة الجرائم مرة أخرى. وأرى أنّ السجن ليس إلا مكانًا للإصلاح ولابد للمجتمع أن يرتقي بعقله وأن ينظر السجين على أنّه مكث فترة لإعادة تأهيله وليس لتأديبه، وأن يغيروا مسمى السجون إلى مراكز الإصلاح والتأهيل.

تعليق عبر الفيس بوك