خالد بن علي الخوالدي
بعد وفاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلَّم قال سيدنا الصديق (مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ) واستمد الصديق كلامه من قول المولى عزّ وجلّ ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)،. ونحن اليوم نقول من كان يعبد رمضان فإنّ رمضان قد انقضى ومن يعبد رب رمضان فإنّه حي لا يموت.
بعد أقل من أسبوع فقط من انقضاء شهر الرحمة والمغفرة نرى ابتعاداً غير طبيعي لعدد كبير من المُسلمين عن أهم الفروض وأعلاها شأناً، فأصبحت المساجد تئن وتشتكي ابتعاد مُحبيها الذين كانت تكتظ بهم الصفوف حيث عادت الصفوف إلى سابق عهدها قبل رمضان خاصة صلاة الفجر؛ التي تكشف بما لا يدع مجالاً للشك الخلل الذي عليه النَّاس وتوضح أنَّهم كانوا يعبدون رمضان ويسعون بكل السبل إلى أن يحافظوا على هذه الشعيرة العظيمة في رمضان، فقبل أسبوع فقط كانت صلاة الفجر تشهد وجود صفوف كثيرة واليوم الصف يصل إلى منتصفه ولا يكتمل، والله سبحانه وتعالى يقول(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) أي واظبوا وداوموا على الصلوات المكتوبات بمواقيتها وحدودها وإتمام أركانها ثم خصَّ من بينها الصلاة الوسطى بالمحافظة عليها دلالة على فضلها، واختلف العلماء من الصحابة ومن بعدهم في الصلاة الوسطى فقال قوم:هي صلاة الفجر وهو قول عمر وابن عمر وابن عبَّاس ومعاذ وجابر وبه قال عطاء وعكرمة ومجاهد والحاصل أنّ لهذه الصلاة شأن كبير ولا أريد الخوض في فضل هذه الصلاة لأنكم أدرى مني واكتفي بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال(إنّ أثقل صلاة على المُنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً)، واليوم صلاة الفجر تنادي من كانوا يُقيمونها في رمضان منادية بأعلى صوتها رب رمضان هو رب كل الشهور.
وإذا كانت صلاة الفجر بدأت تئن من قلة مرتاديها فإنّ المصحف الشريف هو الآخر يشكو هذه الأيام قلة من يتلوه ومن يسهر الليل عليه ومن يعكف في النهار على تلاوته وختمه، فقبل أيام بسيطة كانت الأصوات تعلو في المساجد بآيات القرآن الكريم، ونفض الكثير منِّا الغبار المتراكم على بعض المصاحف، واليوم وبعد انقضاء رمضان نرى القلة القليلة التي تداوم على قراءة القرآن الكريم ولسان حال المصحف الشريف يقول ما قاله المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم مخاطبًا المولى عزّ وجلّ ( يا رب إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) فلماذا يا ترى نعكف على العبادة في شهر رمضان وبعده ينقلب حالنا رأساً على عقب، فإن كان لرمضان مكانة عالية في نفوسنا لابد أن تكون هذه المكانة لله سبحانه أكبر وأعلى، وعلينا أن نتعلم من مدرسة رمضان لبقية الشهور.
نعم علينا أن نتعلم من مدرسة رمضان الشيء الكثير فخلال شهر واحد تعلمنا التكافل والتعاون وتعزيز العلاقات الحميمة مع الأرحام والجيران والمحافظة على الصلاة وتلاوة القرآن، فعلينا أن نواصل ذلك في بقية الشهور حتى يعم الخير والصلاح بقية العام.
وفي الأخير كل كلمة في هذا المقال أنصح فيها نفسي المُقصرة أولاً ثم أنصح إخواني وأحبتي في المحافظة على ما تعلمناه من مدرسة رمضان، ولا يظن أحد منكم إنّي محدث ديني أو واعظ فأنا أصغر من ذلك بكثير وإنما هي خواطر جاشت في نفسي فأردت أن أطرحها فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، ودمتم ودامت عمان بخير.