السيناريو في درجة صفر

نظرة

آمنة الربيع

هل قُلت في "نظرة" سابقة، والمعنونة "مسلسل متوسط السمعة": فلتقتلكم مسلسلاتكم؟ نعم قلت ذلك. بل تخيَّلت أنَّ قائلها هو رولان بارت صاحب مقولة موت المؤلف "الذي لا مجال الآن لعقد أي حوار معه في الآخرة"!

وباختصار؛ تذهب المقولة إلى إلغاء المكانة التاريخية التي كان عليها المؤلف في العصر الكلاسيكي؛ فلا هو "مُبدع ولا هو عبقري" ولا ما يحزنون! وإلى ما يمكن أن تتضمنه المقولة من تطمينات للديمقراطيين ولدعاة الحرية، فإنَّ المقولة إذا ما نقلناها إلى ساحة السيناريو متعدد الكتاب، فإنها تفقد بريقها ولمعانها، ولا ينفع معها أي لجوء سياسي! ولن تعوزنا الشواهد فهي كثيرة جدا.

لا بأس، أرجو أن يتسع بالكم قليلا، "نظرة" اليوم تعود إلى ما سبقها، فأنا مضطرة لربط السابق باللاحق. في نظرة "حاسة التمثيل عند الممثل" سألت ما يلي: ما الذي يبقى في ذاكرتنا من الممثل؟ ظله؟ حواراته؟ ملابسه ومكياجه؟ دموعه وانهياره وانكساره؟ أسنانه ونظراته وقوته وعنفوانه؟ خيلاؤه وزهوه؟ صخبه وعنفه؟ جديته وهزله؟ ابتسامته وضحكته وحزنه؟

سأنقلُ السؤال إلى دائرة كتابة السيناريست الجماعي؟ ما الذي يَبْقَى في ذاكرتنا؟ الاسم الأدبي؟ اللقاءات الخاصة بورشة الكتابة؟ الاتفاقيات وكتابة العقود؟ إذا تخيلنا أحد الناس الموهوبين يخلق أفكارًا درامية لا يملك أمامها أي تحفظ ولكنه للأسف "معتر وغلبان"، لا يعرف كيف يكتبها في سيناريو. إما أن يَعرض فكرته على سيناريست معروف ويتفق معه كاتب السيناريست على عرض الفكرة بشرط وضع اسم صاحبها على تتر المسلسل -وذلك من باب حفظ الحقوق- وإما أن يتفقا على بيع الفكرة مقابل مبلغ، وفي أسوأ الأحوال سيضع كاتب السيناريست اسمه ومعه كل الحقوق، وعلى "المعتر الغلبان" الذهاب إلى الجحيم! وربما إذا نجح المسلسل سيتحسَّس صاحب الفكرة وسيحاول جاهدا الصيد في الماء الإعلامية العكرة.

لقد أتانا رولان بارت، في مقالته "موت المؤلف" الصادرة 1968 بتسليم نهائي أن المؤلف قد أعدم بالفعل. ونظريا، إذا عدنا إلى ذلك "المعتر الغلبان" الذي باع فكرته بمقابل ثم عاد ليعمل زوبعة إعلامية فهل ما سيقوله بامتلاكه للفكرة الأصلية محل ثقة؟ وهل هناك وجود فعلي لمعنى قولنا "فكرتي الأصلية"؟ وهل يمكن أن تصمد دفاعات "المعتر الغلبان" طويلا؟

أمَّا إذا تكلمنا عمليًّا؛ فالمسألة ستختلف، قد تكون فكرة "المعتر الغلبان" بذرة أو نواة لمجموعة من الأفكار أثيرت في جلسة ما، فأخذها معالج السيناريست "المتمكن من أدواته" وطوَّرها، وهنا لم تعد الفكرة مِلْكًا لصاحبها، بعد أن كساها السيناريست لحما وروحا ونبضا وحيوية جديدة. هل أنتم متفقون معي؟ وأنت أيها المعتر الغلبان هل أنت موافق على هذا الطرح؟

سأنتقل إلى نقطة أخرى متصلة بما سبقها: ماذا يبقى من مسلسل اشترك في تأليفه عدة كتاب سيناريست؟ سريعا سيكون الجواب تبقى الفكرة.

إنني بانتقالي عن "المعتر الغلبان" إلى "فريق ورشة كتابة السيناريو"، أنتقل في الدراما عن مقولة "موت المؤلف" وعن المميزات الحكيمة التي ظل كبار المؤلفين السيناريستيين يحصلون عليها "كالمجد والخلود" إلى فكرة الكتابة الجديدة للسيناريوهات، وهي فكرة تصب زيتها في نظرية قبول العصر لا الانسحاب منه أو الاحتماء بأسس مرحلة العصر الذهبي لكلاسيكية المؤلف. وعند هذه النقطة "غير المهذبة أو اللامنصفة على ما يبدو"، لابد من تسجيل رأي أن السيناريو في درجة صفر الكتابة قد يحتاج إلى أن يتبين موضع قدمه، في ظل وجود أفكار متعددة تتحول في نظام الورشة لتتجسد في فكرة واحدة هي التي سيظهر المسلسل باسمها، في حين سيختفي المؤلف الكلاسيكي لتبدأ بالظهور هيمنة من نوع مختلف تتلخص في اللاهيمنة واللاسلطة لكائن ما.

تعليق عبر الفيس بوك