سحنة الممثلة ومساحيقها

نظرة

آمنة الربيع

في العشرين سنة الماضية من عُمر الدراما التليفزيونية في المجتمعات الخليجية، لم يحدث اختلاف بنيوي محسوب لصالح فن التمثيل. فالممثل أو الممثلة يدخلان إلى هذه المهنة عن طريقين، إمّا الموهبة الفذة أو الواسطة. والطريقان يحتاجان بالطبع إلى دراسة وثقافة وتدريب. وقلنا في نظرتنا "غياب الرِّهان على المستقبل" أنه من حُسن الطالع أنّ ثقافة جيل التوريث السياسي في مجتمعات الخليج ليس لها تأثير مباشر على الكتابة الإبداعية...إلخ، لكننا وجدنا أن فكرة التوريث قد وجدت صداها في زاوية وملعب آخر، هذه الزاوية هي مكياج الممثلة الخليجية الصارخ ولباسها.

فهي سواءً كانت تلعب دور الجدة أو الأم أو الزوجة أو الأخت أو الحبيبة أو العشيقة أو المرأة الحامل أو طالبة الجامعة أو الطبيبة أو التاجرة أو الداعرة، فإن "سحنة" وجه الممثلة لا تتغيَّر؛ بحيث يظهر ذلك الفارق الذي يفرقها عن المرأة في الحياة. هل يتَّصل هذا بالخوف من الزمن وفقدان البريق والإطلالة المثيرة؟ أين الإخلاص في الأداء؟

كأنَّ الممثلة أو الفنانة لا تعترف بالزمن، أو أن الممثلات من حيث هنّ نساء وإناثا يرغبن أن تكون كل واحدة منهن كالشاعرة ولادة بنت المستكفي، والتي بعدما زارها المشيب وتغير جمالها أبت في عزة وإباء الأنثى المعشوقة أن يراها عشيقها الشاعر ابن زيدون وقد غادرها جمالها الذي سحر المعجبين بها. فإذا كُنّ ممثلاتنا يعتقدنّ ذلك في داخلهن فأرجو أن تُراجع كل ممثلة دورها، وأن تعي أن مهنة التمثيل الحقيقة هو أن تكون ممثلة بأكملها وفي جميع حالاتها.

والناظر اليوم إلى غالبية المسلسلات الخليجية التي يجري عرضها باستثناء مسلسل "بائعة النخي"، يعرف خطورة مبدأ التوريث الذي تريد غالبية الممثلات استكمال زينتهن في أدوارهن، دون الانتباه إلى أن تمتع الممثلة بالشخصية الفنية التي تؤديها إنما تنبع حيويته من قدرتها أن تخلص لحياة الشخصيّة بأبعادها المادية والاجتماعية والنفسية.

والسؤال الذي سيقذفني به القارئ تهكُّما هو: هذا التوريث لا يقتصر على ممثلاتنا الخليجيات، بل يتعدَّاهن إلى جميع الفنانات العربيات، فلماذا يقع اللوم على ممثلتنا الخليجية دون سواها؟

وفي الواقع هذا صحيح، وللتهكُّم ما يبرره من ثقافة سيئة السمعة. إنّ ربات التمثيل العربيات قد ساهمن في خلق ثقافة مكياج بالغة الضحالة. فالممثلة النجمة تريد أن تنام بقميص النوم وهي بكامل عدتها وعتادها من المساحيق، كما تريد أن تستفرغ ما في جوفها في الحمام ووجهها بكامل حيويته ونظارته! ومن المفارقة العجيبة أن الممثلة النجمة التي تسعفها خبرتها بالقدرة على تلوين صوتها ونبرة لهجتها وتقوّس ظهرها لتبدو كبيرة في السّن نراها تقف أمام مرآة التزيين في غرفة المكياج فلا تبصر إلا نرسيس! وتتحول تلك المرآة لتذكرها بمياه بحيرة الأسطورة التي أودت بحياة الشاب الوسيم نرسيس فذاق هو الهلاك، في حين حظينا نحن بمنظر زهرة النرجس العطرة المولودة عن الأسطورة الخالدة.

ولكن نرسيس في الميثولوجيا صار نرجسة، في حين أن الممثلة العربية من المحيط إلى الخليج أفقدتنا حاسة الصدق الفني وعجزها التأثير على تحفيز خيالنا، فليس فيما نراه ما يُحفّز مُخيلة الإبداع بحيث نتلمس الفارق في التمثيل بين ممثلة ظهرت في دراما رمضان السنة الماضية أو في السنة الحالية؛ لأن المساحيق متشابهة كالشفاه والأنوف المنفوخة!

ماذا بَقِي لنا من الشخصية الفنية؟ من المؤسف له حقا أنني لا أشاهد طريقة المخرج المدهشة والذكية في تطوير أداء الممثلات، ولا أبصر حقيقة عمله الفني والإبداعي بسطوع وجلاء، لأنّ تدخل إسفاف الممثلات على مساحيقهن يُقصي مرحلة التذوق والاستمتاع إلى أجزاء منفصلة ومتنافرة، فتحتل مساحة الصدق الفني مكانة غير لائقة، أشبه ما تكون بمنطقة العطالة. وبالطبع، لا للتعميم، لكنني لم أعثر بين ممثلاتنا الخليجيات على الاستثناء الذي يمكن أن أعدّه قاعدة نبني عليها.

تعليق عبر الفيس بوك