الاتحاد الأوربي بدون المملكة المتحدة (1-2)

إسماعيل الأغبري

بريطانيا العضو المعروف في الاتحاد الأوربي منذ أكثر من أربعين عاما، رقم صعب، وليس مجرد زيادة عدد، أو أنها كدولة حديثة انضمت إليه بعد انهيار منظومة الاتحاد السوفييتي، ولم تدخله بسبب الرغبة في الاحتماء به بعد استقلالها عن دولة أو خوفا من اعتداء دولة عليها كما هو شأن الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي.

بريطانيا أو المملكة المتحدة، أو كما يحلو للبعض وصفها بالإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، كناية عن كثرة مستعمراتها وسطوة قوتها العسكرية والاقتصادية معًا يعرفها الاتحاد الأوربي، لذلك كان يعذرها فيما ترغب فيه من تميز عن غيرها من دول الاتحاد، ويعذرها فيما تطلب فيه الاستثناء من قرارات سياسية واقتصادية سيادية كعدم الانضمام إلى عملة "اليورو".

الاتحاد الأوربي يُقدِّر في كثير من الأحيان خصوصيات المملكة المتحدة من حيث العمق الوجودي واستقرار النظام السياسي والإرث التاريخي، إلا أنه يصعب منح الخصوصية ومراعاتها في كثير من الأمور؛ لأنها عضو، والعضو ينبغي أن يكون مع المجموعة وإلا صار الاستثناء هو الأصل.

بريطانيا أيضا يصعب عليها الذوبان في الآخر؛ لأنَّ ذلك يعني تنازلا عن السيادة، وصيرورتها كغيرها من الدول المولودة حديثا أو الدول التي ليس لها ذلك الصيت والثقل المادي والعسكري.

منافع متبادلة بين دول الاتحاد الأوربي من حيث التنسيق الأمني ورصد التحركات المشبوهة، ومتابعة الأشخاص غير المرغوب فيهم أمنيا، وتبادل المعلومات عاجلا لاستباق أي حدث إجرامي أو إرهابي قدر الإمكان.

ولا شك أنَّ التنسيق العسكري قائم بين دول الاتحاد الأوربي خاصة فيما يتعلق بالمناطق الملتهبة وآليات التدخل فيها.

التنسيق بين دول الاتحاد قائم حتى من حيث محاولة توحيد المواقف السياسية والدبلوماسية فيما يتعلق بالقضايا الساخنة في عدد من دول العالم.

قضايا الهجرة الشرعية وغير الشرعية مما يشغل دول الغرب كافة لما يترتب على ذلك من تأثيرات اجتماعية وسياسية وأمنية واقتصادية وثقافية على تلك الدول، فالمهاجرون ذوو مشارب ثقافية وأنماط معيشية مختلفة، وأصحاب أيديولوجيات وعقائد متباينة بين نظرة معتدلة وأخرى متطرفة.

اعتادَ الغرب على نمط متوسع في مجالات الحريات السياسية والاجتماعية غير معهودة في الشرق الأوسط مثلا؛ ففي الغرب عموما ليس من الأمر الذي تقوم بسببه الدنيا ولا تقعد إذا قام متظاهرون فألقوا فقاس البيض على شخصية مرموقة سياسية، ولا يترتب على ذلك الفعل أثر قانوني في أكثر الدول.

أمَّا مجال الحريات الاجتماعية في الغرب عموما، فحدث عنه ولا حرج، والمهاجر إما أن يذوب في خضم ذلك الوجه الآخر من المجتمع المغاير لوجه بلاده وهو أمر قلما يحدث كما أثبت الواقع، وإما أن لا يتمكن من الذوبان، فيحرص على مواريثه وثقافته، وهنا قد يحاول المهاجرون النازلون على مجتمع مخالف لهم أن يحملوا ذلك المجتمع على ثقافتهم ولو بقوة الحديد والنار، وهو الذي يقع حاليا.

المهاجرون أنفسهم قبل صدامهم مع غيرهم يتصادمون في الغرب مع أنفسهم بناء على جنسياتهم ومواريثهم الفكرية والثقافية؛ لذلك يصعب على حكومات الاتحاد الأوربي تعيين أو تحديد المراكز التي من خلالها يمكن لتلك الحكومات أن تعتبرها ممثلة عن المهاجرين، ويصعب على الحكومات في الاتحاد الأوربي تحديد الشخصيات التي يمكن أن تعبر عن مراد تلك الجماعات من المهاجرين وهذا التشظي يسري حتى على المسلمين الذين يجمعهم دين ونبي وقبلة واحدة فهم في اختلاف وتناحر دائم هناك، بل تكفير وتراشق بالألقاب بينهم.

الهجرة غير المشروعة مُقلقة للغرب عموما ولدول الاتحاد الأوربي خصوصا لما لها من آثار سلبية أمنية واقتصادية ولما تشكله من صعوبة حصرهم والحصول على البيانات اللازمة عن كل مقيم في تلك البلدان.

لعل الاتحاد الأوربي تفاجأ بطوفان الحج إليه وسيل الهجرات المتتابعة خاصة عبر البحار والآتية إليه من مناطق الصراع الملتهبة من دول شرق أوسطية ومن شبه القارة الهندية ومن أفغانستان مما أوقع دول الاتحاد في تباين من المواقف بين مرخص ولين في مواقفه وبين دول متصلبة في مواقفها خاصة الدول المنضوية حديثا في الاتحاد أو الصغيرة جغرافيا أو الدول ذات الحساسية المفرطة في مسألة الحفاظ على خصوصيتها الثقافية وهويتها السياسية.

وللأسف.. المهاجرون نقلوا أمراضَ بلدانهم إلى تلك الدول التي فتحت أبوابها لهم ومعاهدها وكلياتها وجامعاتها ومستشفياتها ومرافقها فصار كثير منهم يوجه سهامه إليها نقدا لاذعا، واصفا إياها على منابر الجمعة في عقر الدار بأنها كافرة، وأن الأصل فيها دفع الجزية عن يد وهي صاغرة؟

تقوم الشرطة في الغرب يوم الجمعة بتطويق المكان، ليس منعا من الصلاة أو تحجيما لها، ولكن حراسة للمسلمين لكي يؤدوا الصلاة بلا خوف ولا وجل، ومع ذلك يقول الخطيب ما يقول كأنه هو المنعم عليهم والمتفضل والمتكرم.

بعض المهاجرين يصف الغرب عموما والذي يقيم فيه آمنا مطمئنا هانئا، ويعمل بكل حرية، ويمارس عبادته باحترام تلك الدول، ويعلم أبناءه فيها، ويطبب نفسه وبنيه في أفضل المستشفيات، يصف تلك الدول بأنها مجرد دورات مياه في قاموسه أو مجرد مجاري تصريف!

لا يقتصر الأمر على مجرد الأقوال، بل قد يتعداه إلى أمر آخر وهو محاولة فرض الرأي على تلك المجتمعات بالقوة، ولو عن طريق التفجير للمقاهي أو المراكز التجارية أو الأحياء الشعبية أو الأسواق أو الحافلات، أي أنه نقل ما يقوم به في بلاده إلى تلك البلاد التي آوته ورعته وضمنت له الأمن والتعليم والعلاج.

تعليق عبر الفيس بوك