البلسم الشافي (الجزء الرابع) (13)

حمد بن عبد الله بن محمد الحوسني

أيّها الإخوة الأكارم، نواصل ذكر الآيات التي تتحدث عن صراط الله -تعالى- المستقيم الذي سار عليه صالحو الأمم عبر العصور المتتابعة؛ فكان سببا لنجاحهم وحسن مآلهم.

أيها النبهاء، لقد بين الله في سورة النساء أنه قد جاء برهان منه وأنزل نورا مبينا؛ فمن آمن به واعتصم كان له حسن الجزاء والهداية إلى صراط مستقيم؛ قال الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا. فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) [سورة النساء: 174-175].

أعزائي، لقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- أن الناس كانوا أمة واحدة، ثم اختلفوا؛ فبعث الله النبيين ليكونوا سببا لهدايتهم إلى سلوك طريق الله المستقيم، واتباع نهجه القويم، ثم أتبع ذلك أن الله هدى المؤمنين؛ يقول الله -تبارك وتعالى-: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة البقرة: 213].

وذكر الله -عز وجل- أن سيدنا المسيح أمر قومه بعبادة الله - تبارك وتعالى- وذكر أنّ هذا صراط مستقيم: (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) [سورة آل عمران: 51].

وفي سورة "المائدة" في الآيات (14-16) تحدث الله -سبحانه وتعالى- بداية عن النصارى من أهل الكتاب، ثم بين أن الرسول محمدا -صلى الله عليه وآله وسلم- قد جاء يبين كثيرا مما كانوا يخفي النصارى من الكتاب، أو المقصود -على قول لمفسرين آخرين- مما كان يخفي النصارى واليهود من الكتاب، ثم بين أنه جاءهم من الله كتاب مبين يهدي من اتبعه، ويخرجه من الظلمات إلى النور: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

أيها الأعزة، لقد حذر الله المؤمنين في كتابه من طاعة فريق من أهل الكتاب لئلا يردوهم كافرين بعد ما آمنوا بالله وساروا على طريقه المستقيم، ثم ذكر أن من يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة آل عمران: 100-101].

وقد وصف الله المكذبين بآيات الله الذين تنكبوا صراطه المستقيم بأنهم صم بكم رغم أن حاسة السمع لديهم قد تكون سليمة وربما يملكون القدرة على الكلام في الحقيقة؛ وذلك لأنّهم أعرضوا عن سماع الحق والقول به فكانوا كمن لا يستطيع أن يسمع أو يتكلم، وفوق ذلك الوصف المشين وصفهم الله -تعالى- أنهم في الظلمات؛ فما أقبحه من وصف يربأ عنه أصحاب المروءات، ثم بين المولى -عز وجل- أن الهداية إلى الصراط المستقيم والإضلال عنها واقعان تحت مشيئته -جلت قدرته-: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة الأنعام: 39].

* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم، والمشرف العام لمسابقة رتل وارتق للقرآن الكريم

تعليق عبر الفيس بوك