الزكاة طهارة للنفس والمال والأخلاق

حمد بن سالم العلوي

لقد أفسدت كثرة المال بعض النفوس الضعيفة، فتراكم المال في بعض الأيدي دون زكاة تطهرها، فخلق نوعاً من الإجحاف بين النَّاس، فبلغ درجة نشؤ الطبقية والبرجوازية في المجتمع، والزكاة ركن أساسي من أركان الإسلام الخمسة، فلماذا يُهمل هذا الركن العظيم، وهو ينظم الكثير من قيم الحياة الإنسانية، وعُمان التي يشهد لها تاريخها بتماسكها وتعاضد شعبها، لا ينبغي أن تترك مرتعاً لترف البعض، حتى يتصَّرف ببطر في السلوك، وكل ذلك نتيجة الشعور بتضخم المال والأنا، وقد أمر الشرع ولي الأمر بالأخذ من أموال الأغنياء صدقة تُطهرهم وتزكيهم، مصداقاً لقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم ..} التوبة (103) ولأنّها تعين قوم آخرين على سد بعض من احتياجاتهم الضرورية، لقد دارت حكاية قبل سنوات تقول، إنّ أحد الأغنياء أراد أن يزكي أمواله، ولكن عندما أُبلغ أنّ قيمة الزكاة ستكون 7 ملايين ريال عُماني، تفاجأ بهول ذلك المبلغ الكبير، فأمر بإرجاء الزكاة لفترة قادمة، ولم يسمع أحد بخبرها بعد ذلك اليوم.

إنّ نكوصه عن الزكاة كان برغبته، ولو أنّ السلطة ألزمته بدفع الزكاة، هو وغيره من عتاة التُّجار، لكان فيه خير لهم، وبذلك تساعدهم الدولة في تخفيف العبء عنهم يوم لا ينفعهم مال ولا بنون، وإنّه سيقدم إلى ربِّه بقلب طهور، أما اليوم فإنّه هو والسلطة معاً، يتحملان ثقل حمل كبير أمام ربِّ العالمين، وبهذا السلوك ستترك الأرض الجرداء لتنبت فيها براعم قارونية خطيرة، خطر يمتد ضرره على الإنسان والوطن، فبمرور الوقت ستتضخم وتتكاثر تلك البراعم الضارة، وستتحول إلى أشجار ضخمة، وإن علاجها سيكون شبيهاً بعلاج غُوِّيف البحر، أي تلك الشجرة "الشيطانية" حسب تعريف أحد المختصين، والتي أتى بها أحد الوافدين في حقب زمنية قريبة، وعندما غُض الطرف عنها، أصبح أمر إزالتها اليوم يُكلف الدولة الملايين من الريالات، حتى إن أحدهم تقدم بعرض لإجتثاثها بخمسة ملايين، وقد ألقى عرضه هذا عبر الواتس آب طبعاً، ولكنه مؤشر على وجود عروض أعلى.

إذن نشوء مثل هذا الصنف من البشر، ينذر بخلل وخطر على السلوك الأخلاقي في منظومة المجتمع العُماني، الذي ظل يُحافظ على نهج التواضع، والتسامح في تعايشه مع الآخرين، ويُخفي كنوزه وأمواله وراء ظهره ولا يُبديها لأحد، ولكنه إذا تصدق منها لا تعلم شماله ما أعطت يمينه، إذن المسألة تحتاج إلى معالجة سريعة وشاملة، لأن اجتثاث ما أسميته بالبراعم القارونية، نسبة إلى قارون المُسرف بالترف، والذي خسف الله به وبداره الأرض - والعياذ بالله - وهذا ما أكده القرآن الكريم في الآية (81) من سورة القصص:{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ}.

لقد كنّا نسمع عن الترف والغلو في الجوار، وها هو اليوم يصل إلى الدار، فالنعال أو "الوَطْيَة" التي كانت تعرض هناك بسعر (48000) ريال عُماني، أصبحت تحط اليوم في أحد مجمعاتنا التجارية، حسبما أُشيع في شبكة التواصل الاجتماعي، وكنت أتمنى لو أنّ هذا الخبر لم يكن صحيحاً، وهناك في الهيئة العُمانية للأعمال الخيرية، كفالة اليتيم لشهر كامل بمبلغ (35) ريالاً عمانياً، ولكن قليلون هم من يعرفون مقرها.

إنّ مثل هذه النِّعال كان الواجب ألا يسمح بإدخالها إلى عُمان، بلد التواضع والتآخي والتَّسامح، والتنافس بالكرم وحسن الخلق، ومثل هذا المطعم الذي متوسط قيمة وجبته خمسين ريالاً، أيضاً لا نحتاج إلى خدماته، حتى ولو لم يكن في عُمان فقير واحد، لأنّه رمز للتباهي والترف.

إنّ الحكمة تقول، إنما الأمم الأخلاق ما بقيت وإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، إذن التنافس بحسن الخلق لا بكثرة المال، والعُماني جُبِل على التواضع وحسن الخلق، واستشهد هنا بلقطة سريعة، كنت أجلس مع مجموعة من الوافدين العرب في مجمع سابكو بالقرم، فدخل علينا معالي السيِّد حمد بن حمود (رحمه الله) وزير الديوان وقتذاك، فسلَّم على الجميع، فرحبنا به وجلس بجواري، ولم يكن وأظنه لا يعرف اسمي، وبعد برهة من الوقت استأذن وانصرف، فأثار الجالسين باحترامه ووقاره، فسألوني بعدما ذهب، من هذا الشخص؟ فأعلمتهم به، فعلَّق أحدهم قائلاً لو كان مثل هذا الشخص في بلادنا، لن يدخل منفرداً عادياً، وإنما سيدخل بعد إخراج كل الناس من المجمع، فهذا نموذج للشخصية العُمانية الغنية بالتواضع.

وهنا يجب ألا نغفل أن بعض الخلل سببه تقاعس الحكومة عن القيام بواجبها، من خلال إلزام الأغنياء بأداء الزكاة، فلو أخذت فقط الزكاة من أموال الأغنياء، لطهّر الناس وخفّ بطرهم، فهناك الملايين التي ستُجنى، وليس بعض الريالات التي تخطف من جيوب الفقراء والمساكين.

Safeway.om@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك