تطور المسار الديمقراطي

أثبتت التجربة الديمقراطية العمانية نجاحًا ربما لم تسجله أي ديمقراطية أخرى في المنطقة، فقد أسهمت السياسات الحكيمة للمقام السامي بشأن المسار الديمقراطي في الحفاظ على استقرار الوطن، وبناء مؤسسات الدولة؛ وفق نهج التدرج.

وحققت مسيرة الديمقراطية العديد من الإنجازات في السلطنة، سواء على صعيد الممارسة الفعليّة لحق الانتخاب والترشح، أو من خلال المنظومة التشريعية ممثلة في مجلسي الدولة والشورى، ليكون بذلك مجلس عمان أحد أهرامات السلطة الثلاثة؛ ألا وهي السلطة التشريعية. والمتتبع لمسيرة مجلس عمان يرى أنّها مرّت بالعديد من التطورات وعمليّات التحديث، حتى بلغ المجلس ما يتمتع به الآن من صلاحيات رقابية وتشريعيّة، تعزز نضج التجربة البرلمانية في بلادنا الغالية.

وخلال الجلسة المشتركة التي عقدها مجلسا الدولة والشورى أمس لحسم مواد التباين بينهما في مشروع قانون الجزاء العماني تجلى - بصورة تثلج الصدور- النضج الديمقراطي في مسيرتنا الظافرة. إذ أتيح لكل مجلس على حدة أن يتدارس ويناقش ويعدل مواد مشروع القانون، ومن ثمّ تبقت عدد من المواد لم يتم التوافق عليها بشكل منفرد، ليحتكم المجلسان إلى النص التشريعي في هذه الحالة، والذي يقضي بعقد جلسة مشتركة يتم من خلالها التصويت أو التوافق على المواد محل الاختلاف، ومن بعدها إقرار مشروع القانون ورفعه إلى المقام السامي.

في حقيقة الأمر، لقد أثرت هذه الجلسة تجربتنا الديمقراطية، من خلال العمل التكاملي بين المجلسين، والدور البارز لأعضاء المجلسين في طرح وجهات النظر، وتفنيد الحجج وعرض نقاط التباين. ومثل هذه الجلسات تعمّق كذلك من خبرات الأعضاء في هذه المسائل القانونية بالغة التخصص، وتنقل للمواطن العماني والعالم أجمع، آلية عمل السلطة التشريعية بما يضمن نزاهة القوانين.

ولعل من أبرز المواد التي صاغها الأعضاء المادة (214) الخاصة بالموظف العام والعقوبة التي يمكن أن يواجهها في حالة قيامه بالوساطة أو التدخل أو التوصية لإنجاز مهام؛ سواء في إطار وظيفته أو الإخلال بها. وتكمن أهميّة هذه المادة أنّه لأول مرة في السلطنة يتم تجريم "الوساطة" ووضع عقوبة السجن والغرامة لها.

ويبقى القول إنّ مسيرة النهضة المباركة تواصل التقدم إلى الأمام بالتوازي مع تطوير مؤسسات الدولة وإشراك المواطن في آلية اتخاذ القرار وصناعته، بما يضمن تطورًا ديمقراطيًا يليق وعراقة الشعب العماني.

تعليق عبر الفيس بوك