خالد بن علي الخوالدي
رمضان شهر الخير والتكافل والرحمة والتعاون والعمل وليس شهر التكاسل والسهر ليلاً والنوم أغلب أوقات النهار، كما هو حاصل عند بعض الصائمين الذين يقضون ليالي هذا الشهر المُبارك من قناة تلفزيونية إلى أخرى ومن ملعب إلى آخر ومن تسلية إلى مثيلتها، وفي نهاية الليل يركضون إلى المطابخ للتفتيش والبحث عن السحور والطعام الذي لا يعرفون كيف تمّ إعداده وما مدى المعاناة والتعب والوقت الذي استغرق في تجهيزه، وعند الإفطار يطالبون بمختلف الأطعمة والمأكولات وكأنهم في بوفيه يحتوي على مختلف الأصناف، والبعض رغم ما يُقدم له ينتقد دون مراعاة لمشاعر النساء اللاتي تعبن في الإعداد والتجهيز.
وأشدد على كلمة تعبن، فالأمر ليس سهلاً كما يتصور البعض حيث يبدأ مشروع تجهيز الإفطار والسحور عند النساء من الليل، بالتفكير في ماذا تعمل غدًا؟ ويستمر التفكير في النهار حتى تتبلور الفكرة، ومن ثم يدخلن المطبخ بعد صلاة الظهر في أحسن الأحوال، وبعضهن في الصباح، ويعملن على الإعداد في هذا الصيف الحار (علماً بأنّ بعض المطابخ بدون أجهزة تبريد) ورغم طول ساعات الصيام والمشقة إلا أنهن يعملن بإخلاص ونية صادقة في إعداد وجبات ترضي جميع الأذواق في المنزل خاصة تلك العوائل الكبيرة التي يشترط كل واحد شروطه وما عليهن سوى التنفيذ.
وبعد هذا كله، وبعد المجهودات الكبيرة والعظيمة، يأتي أحدهم وينسف هذه الجهود، بكلمات الانتقاد وبرفع الصوت، لأن الصنف الذي أخبرهم عنه غير موجود على سفرة الطعام، أو تأخرن في إعداد الإفطار أو لا توجد أصناف كثيرة وغيرها من الكلمات والانتقادات التي تكسر جناح القوارير اللاتي عملن ليل نهار في إعداد وتصميم وإخراج وجبات صحية لأفراد العائلة بقلوب يملؤها الحب والتضحية والفداء ومرصعة بحب الخير والأجر والثواب في هذا الشهر الفضيل.
أيها الأعزاء لا تكسروا أجنحتهن وعظامهن فكما يُقال (اللسان ليس عظماً لكنه يكسر العظام) ، وبدل الانتقاد والتَّذمر ورفع الصوت، امنحوهن كلمة شكر وتقدير وإجلال، وكونوا لهن اليد التي تعمل، والفكر الذي يُنير لهن دروب السعادة، ولا تحرموهن من الدعاء بالخير والتوفيق في أيام وساعات هذا الشهر المُبارك، فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا ومعلمنا وسيدنا وسيد كل العالمين يقول (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا (وكان عليه الصلاة والسلام فيما ورد في الأثر: إذا دخل بيته كان بساماً ضحاكاً، وكان يقول: أكرموا النساء فما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم) ويقول لسائق الإبل عندما كان مسرعاً بأمهات المؤمنين(رفقا بالقوارير) وكان صلى الله عليه وسلم يعمل على مساعدة أهل بيته ويقوم ببعض الأدوار والأعمال المنزلية في منزله المُبارك بينما يعتقد البعض منا في هذا الزمن أنّها أدوار نسائية بحتة وما عليه إلا أن يجلس على مائدة الإفطار ويقدم له ما لذ وطاب، وعلينا جميعاً أن نتعلم أن الاحترام منهج وسلوك يعمل به الشرفاء.
وأولاً وأخيرًا أقول لكل أم وزوجة وأخت ولكل النساء شكرا وشكرا بحجم الكون ومن القلب على ما تقدمنه من جهد وبارك الله في أعماركن وأوقاتكن ورزقكن الجنة، ولا أقول لكل من يتذمر وينتقد ويهدم كل شيء بكلمة ولا أًرد عليه بكلامي وإنما بكلام رب العزة الذي يقول في محكم كتابه (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد) وبعد قوله تعالى يصمت المتكلمون والعلماء والربانيون وكل من في الأرض والسماء، ودمتم ودامت عمان بخير.