ترتكزُ هيكلية الدولة في بلادنا على مجموعة من الثوابت والمبادئ التي تضمن تحقيق مواءمة حقيقية بين السلطات؛ في إطار من التكامل والتعاون يحكمه القانون ويصبُّ في خدمةِ الوطن والمواطن.
ولعلَّ الاجتماعَ السنوي المشترك الذي عُقِد مُؤخرا بين مجلس الوزراء ومكتب مجلس الشورى، ليُجسِّد المعنَى الحقيقي لمبدأ تكامل الأدوار بين مؤسسات الدولة، حيث يُبرز حجم التعاون المتحقَّق لمُواصلة البناء والحفاظ على صرح النهضة الشامخ؛ وهو ترجمة للاهتمامَ السامي بضرورة تعزيز مرتكزات التكامل بين مختلف مؤسسات الدولة؛ بما يُعزِّز مسيرة التنمية الشاملة. إذ سَعَى جلالته -ولا يزال- إلى وضع لبنات الدولة الحديثة، التي تنبني على أُسس العمل المؤسسي؛ إيماناً بأن مبدأ تكامل الأدوار، وتكاتف الجهود، واحترام كل طرف لوجود ودور الطرف الآخر، حقيقة مهمة لبناء علاقة صحية بين الدولة والمجتمع بمؤسساته المختلفة، وهي في واقع الأمر ضرورة أساسية لبناء الدولة والمجتمع السليميْن والقادريْن على تلبية احتياجات الفرد، وتحقيق الرفاه له؛ إذ لا دولة دونما مجتمع، ولا مجتمع دونما دولة.
وتأتي خُصوصية التجربة العُمانية في هذا السياق، من مُنطلق إيمان جلالته بأنَّ التعاون والتكامل بين مؤسسات الدولة، يُرسِي دعائم راسخة تَضْمَن للسلطنة التطور الطبيعي الذي يُلبِّي مُتطلبات كل مرحلة من مراحل العمل الوطني، وبما يستجيب لحاجات المجتمع، ويواكب تطلعاته نحو مزيد من الإسهام والمشاركة في صُنع القرار؛ وبما يخدم المصلحة العليا للوطن والمواطنين، ضمن رؤية مستقبلية واعية وخطوات تنفيذية واعدة.
ولقد بات النهجَ العُماني اليوم مدرسة في فلسفة الحكم والسياسة؛ فكما يُحقِّق نجاحات داخليًّا، يصنع إنجازات بالخارج أيضًا؛ فهو منظومة متكاملة، وحلقات يُكمل بعضها البعض.. ويُجسِّد هذا التوجه نجاح إستراتيجية التطوير المستمر والتدريجي لمنظومة المؤسسات في السلطنة، وفق نموذج له سمة مُميزة من التكامل والترابط؛ ووفق نهج مُتزن تتبناه القيادة الحكيمة على مدى ستة وأربعين عاما من مسيرة العطاء والبناء للوطن.
إنَّ حرص الإرادة السياسية على تحقيق درجة أوْسَع وأعمق من مُشاركة المجتمع في صياغة وتوجيه التنمية الوطنية -بمستوياتها ومجالاتها المختلفة- يُظْهِر حجم الترابط والتكامل بين مختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها -سواءً التشريعية أو التنفيذية أو حتى المجتمع المدني- مما يفتح الأبواب مُشرَعة أمام حديث آخر؛ أساسه أن حكومات اليوم -في هذا العالم المتسارع الخطى- لم تعد ذاك الكائن الأسطوري القادر وحده على تذليل الصِّعاب، والنهوض بكافة المسؤوليات تجاه المجتمع، إذ لا تملك عصا سحرية تحل المشكلات، أو توفِّر المتطلبات "بين طرفة عين وانتباهتها"؛ بل أضحتْ التنمية في عالمنا المعاصر مسؤولية تضامنية يقوم بها الجميع، وعندما نقول الجميع فإننا نقصد مشاركة الكل؛ بدءًا من الفرد، مرورا بالمؤسسات، وليس انتهاءً بمنظمات المجتمع المدني. وهو ما يُجسِّد في مقابل مفهوم "تكامل الأدوار بين المؤسسات"، مفهوم الشراكة المجتمعية في التنمية؛ حيث للكل دور ومهمة فيها، ضمن حلقات يدعم بعضها الآخر، الأمر الذي ينبغي أن نكرس جهودنا لتوضيحه، ووضع الخطط والآليات التي تكفل تفعيله في واقعنا التنموي.
... إنَّ ما تحقق للسلطنة على مدى السنوات الأخيرة، وحجم النجاحات الملموسة من قبل أجهزة ومؤسسات الدولة في شتى المجالات، ليُبرهن للعالم نجاعة النموذج العُماني في الإدارة والتنمية، والتي ستتضاعف مع مباشرة كل مواطن لما يحمله من مسؤوليات، وأن يُواصل الجميع بناء عُمان الحديثة لتحتل مكانتها المرموقة بين الدول؛ فمسيرة استكمال "منظومة دولة المؤسسات" وتكامل الأدوار فيها، وإعلاء بنيانها، ليست بالأمر الهيِّن، بل تحتاج إلى تضافرَ جهود الجميع، خصوصًا مع توافر الرُّؤية السياسية -التي تُمثلها الإرادة السامية لمولانا المعظم- والهادفة لتدعيم مكانة السلطنة كدولة عصرية لها خصوصيتها ونموذجها المتفرد.