على هامش حواريّة الشيبانيّة

حقيبة ورق
حمود الطوقي

منذ زمن بعيد، حيث كانت الكتاتيب تقوم بتخريج أطفال ملمّين بالقراءة والكتابة، ومع الجد والاجتهاد والاهتمام يتحوّلون إلى علماء، كان العنصر الوحيد الذي يدفع إلى حصول ذلك هو تحقيق وعي متقدم بقيمة الفروقات الفردية بين المتعلمين والمتعلمات - آن ذاك- وإتاحة الفرصة للتنافس، وتجويد المعرفة باللغة، والحفظ والقراءة، مما جعل لخريجي الكتاتيب حضورًا لا تخطئه العين في المشهد العلمي والثقافي ببلادنا.

وفي جلسة الشورى التي استضاف خلالها معالي الدكتورة مديحة بنت أحمد الشيبانيّة وزيرة التربية والتعليم؛ لشرح إستراتيجيّة التعليم ومرئيات الحاضر والمستقبل معا، تعددت الأسئلة، وتنوعت وجهات النظر، سواء على مستوى الأعضاء في المجلس ذاته، أو على مستوى ردود الأفعال التويترية والفيسبوكية والواتسابية، مما أتاح المجال لجميع الأطياف بأن تتعاطى مع مختلف الأفكار الواردة في تقرير معاليها أو عبر وجهات نظر الأعضاء في مجلس الشورى.

لكنا، ومن وجهة نظري، اعتقد أنّ التعليم يحتاج إلى إعادة قراءة من جديد، فبعد 46 عامًا من عمر النهضة المباركة، ومع تسارع وتيرة الحياة، واتساقا مع الوضع الراهن والمستقبلي نجد أنّ مخرجات التعليم العماني أصبحت لا تتناسب مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل، ذلك أنّ السلطنة - في واقعها الراهن الذي لا ينبغي لخطط التعليم أن تغفل عنه - تتأسس وفق منهجية اقتصاديّة، بهدف العبور نحو التنافسيّة العالميّة من البوابة الصحيحة، كي تكون متوافقة مع التوجهات العامة التي تسير وفقها منظومة العالم. وإذا اعتبرنا أنّ الطلاب والطالبات هم وهُنّ الركيزة الأهم في تكريس مستقبل مختلف فإنّ المعلمين الجدد لا تتناسب كفاءاتهم مع المطلوب استثماره لتحضيره للمستقبل، فجودة التعليم متدنية، وعناصر الاستعداد ناقصة، ومناخات إعداد المعلمين ليست متجانسة مع الظروف التي تفرضها طبيعة العصر الذي نحن فيه، وأهمّها ضعف الاستعداد الذهني والمعرفي، وتراجع المسؤولية الجوهرية لدى الطالب/ الطالبة في البحث عن أسباب اختلافه وتميّزه ليشتغل عليها ويعززها وينافس بها أقرانه..

من الضروري أن نؤمن بأنّ التعليم صناعة وليس مجرد رغبة في إثبات أعداد مدارس، وتخريج معلّمين ومعلّمات؛ فعلى الرغم من إيماننا بأن الحكومة قامت بدعم التعليم من خلال توفير البيئات التعليمية المكانية والمناهج والخبراء المختصين في تأليفها، إلا أن دعم المعلّم الجيد، وتحفيز المعلّم المجتهد، وتأهيل المعلم غير المقتدر، صارت أساسيات لبيئة تعليمية ناجحة، وهنا تكمن حقيقة صناعة التعليم، وصلتها المباشرة بجودة المخرجات، من خلال الاستثمار في المعلم، وتحقيق سبل الراحة له، وتكريس أولويّته وأهمّيّته، لكونه هو صانع الطيار والمهندس والطبيب والكاتب وغيرها من المهن، فمن دونه لن يكون هناك مستقبل، ولن تكون لدينا تنافسية تحقق المطامح التي يصبو إليها الجميع.

بجدّيّة، نصر على أنّ التعليم في الكتاتيب كان يحتفي بعنصر النجاح الأول، وهو المتعلم/ المتعلمة، وهذا الاحتفاء انعكس على الواقع، ولذلك صرنا في حاجة ماسة إلى تغليب جانب صناعة التعليم على فكرة التعليم من أجل التعليم، فالسلطنة تبحث عن الأجود على مستوى مخرجاتها، فكيف بالحال والظروف تعصف بمناخ التعليم ومرئياته؟ لذلك نقترح وضع آلية عملية ومرنة متصلة بالمستقبل وليس الحاضر فقط.

تعليق عبر الفيس بوك