مخاطر تدويل مشروعات حلول الصراعات في البلاد العربية

عبيدلي العبيدلي


يسيطر تعثّر الصراعات المندلعة في البلدان العربية على وسائل الإعلام. ففي الساحة العراقية، وهي الأبرز والأكثر أهميّة في المشهد السياسي العربي اليوم، يواصل تحالف تشكل مؤخرا من قوات من "الشرطة الاتحادية وقيادة عمليات بغداد والحشد الشعبي تزحف من أجل تحرير مركز مدينة الكرمة؛ إذ تم رفع العلم العراقي فوق مبانيها بعد تكبيد عصابات (داعش) خسائر بالأرواح والمعدات، (بعد أن) سبق للقوات العراقية أن أعلنت عن تحرير معظم مناطق قضاء الكرمة الواقع في شمال شرق الفلوجة، بالإضافة إلى عدد كبير من القرى المحيطة بالمدينة من المحاور الشرقي والشمالي والجنوبي، كما أنها بدأت بتطهير جزيرة الخالدية الممتدة بين مدينتي الرمادي والفلوجة". يأتي ذلك في سياق ما أعلنته السلطة في بغداد عن عزمها على "تطهير الفلوجة من داعش".

على نحو مواز يرتفع صوت الأخبار القادمة من الكويت المحذر من أن "مصير جولة المفاوضات اليمنية بإشراف أممي في الكويت سوى التعثر، فقد أفادت مصادر إعلامية متواترة بتأجيل مشاركة وفد الحوثيين والمؤتمر الشعبي، أو تأخرهم في الحضور لأسباب عللها الوفد بانتهاك وقف إطلاق النار وتحديد أجندة المفاوضات، (كون) النقاط الخمس التي تحدث المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد عنها كمحاور رئيسة للتفاهم، وبناء شكل المفاوضات لم تنفذ بعد، أو لم يُتّفق على إطارها بين الأطراف جميعها".

ومن الكويت تتناقل وسائل الإعلام أنه "في إطار البدء بتحرير مدينة الرقة السورية، معقل داعش، وصل 250 جندياً من مشاة البحرية الأميركية (المارينز) إلى قاعدة رميلان الجوية شمال شرق مدينة الحسكة على متن طائرات شحن خاصة حملت أيضا أسلحة ومعدات عسكرية ثقيلة. وتم نقل جزء من القوة الأمريكية إلى مدينة تل أبيض، في إطار التحضيرات لمعركة انتزاع مدينة الرقة من تنظيم (داعش)"

العنصر المشترك في الساحات العربية الثلاث هو تزايد الحضور الأجنبي بأشكال مختلفة في كل منها. تبدو ملامح ذلك الحضور الدولي مختلفة، لكنه في جوهره وحقيقته يصب في إناء واحد. فيرفع في الكويت علم الأمم المتحدة، وفي العراق علم الولايات المتحدة، التي رغم محاولة تمويه حضورها العسكري لكنها تضطر بين الحين والآخر إلى الاعتراف بذلك التواجد، كما جرى عندما أعلنت في شهر أبريل 2016 "عن وفاة أحد جنود البحرية الأمريكية في العراق. ويعدّ هذا الجندي رسميا ثالث جنديّ يُقتل في العراق منذ عودة الأمريكيين إليها سنة 2014 بهدف التصدي لتنظيم الدولة". وفي سوريا "يرفرف" علما روسيا والولايات المتحدة. وإذا كانت موسكو لا تخجل من تأكيد ذلك التواجد والمشاركة المباشرة في قصف المدن السورية، فإن واشنطن تضطر بين حين وآخر إلى الإفصاح عن ذلك الوجود عندما تتعثر مفاوضات السلام التي تتم هي الأخرى تحت مظلة دولية هي الأمم المتحدة.

لهذا الحضور الدولي في الصراعات العربية الداخلية، عسكريا كان هذا الوجود أم سياسي، تحت مظلة الأمم المتحدة، أو اعلام دول عظمى، خطورته وتبعاته على مستقبل البلدان العربية، كل منها على حدة، أو جميعها ككتلة عربية واحدة. فرسالته الخارجية التي يوجهها للعالم، والداخلية التي يخاطب بها مواطنوه من العرب، تقول بعجز العرب عن مشكلاتهم الداخلية، وحاجتهم، والعالم يخطو نحو العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، إلى وسيط دولي يساعدهم على حل تلك المشكلات، بغض النظر عن الثمن الباهظ الذي يتكبدونه، سياسيا كان ذلك الثمن أم ماليا. فطالما استمر "الحكم (بفتح الحاء والكاف) الدولي" في مزاولة دوره "التسووي"، على العرب أن يعترفوا بأنهم لم يبلغوا بعد سن الرشد السياسي الذي يؤهلهم لحل مشكلاتهم الذاتية بعيدا عن أعين الرقيب الدولي وأصابعه.

وعلى نحو مواز يساهم هذا الحضور الدولي بشكل مباشر أو غير مباشر في زيادة التشظي السياسي والاجتماعي العربي، فمهما تقاربت المصالح الدولية من بعضها البعض، ومهما تقاربت مع المكونات السياسية في البلدان العربية، لكن يبقى لكل قوة دولية من هذا الحضور مشاريعها الاستراتيجية الخاصة التي تختلف عن القوى الأخرى، دولية كانت تلك القوى أم عربية. ولعل في الموقف من الرئيس السوري بشار الأسد، فيما يتعلق بمستقبله السياسي في المشاريع المطروحة للخروج بسوريا من أزمتها، الكثير من العبر فيما يتعلق بتضارب مصالح القوى الخارجية مع مصلحة سوريا الحقيقية، وتقلب موقفها كي يأتي ملبيا لتلك المصالح الخارجية.

وبالقدر ذاته يقلص الحضور الدولي من نسبة المشاركة العربية في صنع القرار المتعلق بحاضر المشهد السياسي العربي، فكلما أمعن الحضور الدولي في دس أنفه في مشروعات التسوية، كلما تراجعت حصة العرب في صنع مستقبلهم. هذه المعادلة التي تكرس هذه النسبة العكسية طبيعية ومنطقية، فمن رابع المستحيلات أن تتطابق المصالح الدولية مع نظيراتها العربية، ومن ثم فصدامهما متوقع، وربما يكون أزلي.

في ضوء كل ذلك، ومن منطلق المصالح الفردية لكل دولة عربية على حدة، أو كل قوة عربية متصارعة مع شقيقتها الأخرى، آن لتلك القوى المحلية أن تتجاوز نظرتها الذاتية الضيقة والزمنية القصيرة، وتنظر إلى ما هو أبعد مما يبدو لها اليوم، إن هي شاءت أن تخرج من هذه الأزمة الطاحنة التي تشكل تهديدا خطيرا على مستقبل المنطقة، ليس السياسي فحسب، وإنما الاجتماعي أيضا، وما هو أخطر من هذا وذاك مستقبلها الاقتصادي.

ولا بد من التنويه هنا أنّ الخطر المحدق بالمنطقة العربية شامل ولا يستثني أيا من القوى، ومن ثم فمن مصلحة الجميع بمن فيهم قيادات القوى المتصارعة الجلوس على طاولة مفاوضات جادة وقادرة على انتشال المنطقة من الأخطار المحدقة بها، ماذا وإلا فالطوفان قادم ولن يرحم أحدا باستثناء القوى الخارجية التي ستكون حينها في مكان آمن في انتظار حصاد ما تزرعه اليوم، وما تؤججه من صراعات بين القوى العربية الواهمة، وهنا تتمحور مخاطر تدويل مشروعات الحلول العربية المرسومة بأيد أجنبية، ويجري تنفيذها بأيد عربية.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة