الباحث فهد السعدي يؤرخ لمدينة صحار في عهد الإمام ناصر بن مرشد اليعربي

في كتاب صادر عن مركز ذاكرة عُمان

مسقط - العُمانيَّة

يكتسب كتاب الباحث فهد بن علي السعدي "رسالة في خبر افتتاح دولة الإمام ناصر بن مرشد لمدينة صحار وولاتها"، أهميَّة بالغة في التأريخ لفترة مبكرة من تاريخ مؤسس دولة اليعاربة، كما ينفرد الكتاب بذكر معلومات مهمة عن صحار حتى قبل دولة اليعاربة وأثناء قيامها. ويقع الكتاب في 44 صفحة من القطع الصغير، وصدر عن مركز ذاكرة عمان. وتشكل النصوص والتقييدات والرسائل مهما كانت صغيرة في الحجم أهمية منقطعة النظير، خصوصًا إذا كانت تلك النصوص والتقييدات والرسائل فريدة في نوعها ولم يسبق لأحد أن وثَّق لتلك الفترة التي تتحدث عنها، خصوصا وقد احتلت صحار مكانة مهمة في التاريخ العماني قبل الإسلام أو بعده، ويلاحظ المتتبع أن تلك المكانة بلغت ذروتها مع شروق فجر الإسلام وما تلى ذلك من عصور متلاحقة.

وتكتنز مدونة التاريخ الإسلامي بإشارت عديدة إلى مكانة صحار ودورها الحضاري، ومع ظهور دولة اليعاربة كانت صحار ترزح تحت نير الاحتلال البرتغالي، ولأهمية صحار الحضارية وأهميتها الإستراتيجية؛ فقد كانت تحت نظر وعناية الإمام ناصر بن مرشد اليعربي الذي بويع بالإمامة سنة 1034هـ.

وتتأتَّى فرادة هذه الرسالة من حيث كونها أثرا مكتوبا يركز على افتتاح الإمام ناصر لصحار سنة 1053هـ بقيادة الوالي حافظ بن سيف الرستاقي، ثم يَرِد بعد ذلك ذكر للولاة الذين جعلهم الإمامان الإمام ناصر بن مرشد وسلطان بن سيف بن مالك، إضافة لتقييدات تتصل ببيعة الإمام ناصر بن مرشد، وأهم الاحداث المتصلة بتأريخ صحار قبل بيعة الإمام ناصر وبعدها، فما يرد في الرسالة والتقييدات من معلومات وتفاصيل لا نجد له أي أثر في أي مصدر آخر.

ويُشير الباحث فهد السعدي إلى أنَّ الرسالة والتقييدات قد وردت ملحقات بالقطعة الثانية من مخطوط كتاب "لقط الآثار المؤلف بصحار" لمؤلف مجهول؛ المحفوظة بمكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي بالسيب تحت رقم (1034)، وكان تاريخ تمام نسخ المخطوط يوم السبت 20 صفر 1128هـ، ولم يرد اسم الناسخ ضمن بيانات النسخ. أما مؤلف الرسالة، فيرجح الباحث السعدي بأنه الشيخ ناصر بن ثاني بن جمعه بن هلال الرحيلي الصحاري حيث ورد اسمه في ثلاثة مواضع من الرسالة، منها موضعان مقرونان بصيغة "العبد الأقل" و" الفقير لله" وهذه الألفاظ غالبًا ما يستخدمها الكاتب نفسه، وناصر هذا هو الذي طلب من ابن قيصر كتابة سيرة الإمام ناصر بن مرشد. وناصر بن ثاني من أعلام القرن الحادي عشر الهجري من ولاية صحار وكان عاملا عليها في بعض الفترات لولاة الإمام ناصر بن مرشد.

وكان فتح صحار بقيادة الوالي حافظ بن سيف الرستاقي الذي كان واليا للإمام على لوى، وكان مسيره في آخر شهر المحرم سنة 1053هـ فافتتحها وخلصها من يد البرتغاليين وبنى فيها حصنًا وترك فيها بعض العسكر وعاملا له على صحار وهو ناصر بن ثاني بن جمعه بن هلال الصحاري. ثم توالى بعد ذلك ولاة الإمام ابن مرشد على صحار منهم عمرو بن مسعود الوبلي الرستاقي، وعلي بن أحمد بن عمر بن عثمان النزوي، ومحمد بن سيف الحوقاني، وسعيد بن علي بن ناصر الرمحي العيني الرستاقي، وفي سنة 1057هـ طلب أهالي صحار إعادة الوالي علي بن أحمد النزوي بناء على رغبتهم. أما ولاة صحار في زمن الإمام سلطان بن سيف فهم محمد بن عمرو بن مسعود الوبلي الرستاقي، ثم علي بن محمد بن علي الرستاقي، ثم راشد بن طالب العبري، ثم مسعود بن راشد الريامي، ثم سعيد بن ناصح البهلوي، ثم سالم بن ربيعه الذى تولى أمر صحار في يوم الجمعة وأحد عشر من شهر رمضان سنة تسع وثمانين وألف سنة.

وتكشف الرسالة والتقييدات في الكتاب أنَّ الإمام ناصر في إطار سعيه إلى تحرير صحار قد عمل على خطة إستراتيجية، وهي أن يستخلص لوى أولا حيث تم افتتاحها سنة 1041هـ ثم في سنة 1043هـ سار حافظ بن سيف الرستاقي والي الإمام ناصر على لوى إلى صحار، وبنى حصنا في النخيل سنة 1043هـ. وفي شهر المحرم من سنة 1053هـ، قاد حافظ بن سيف الرستاقي المسيرة إلى الحصن الذي يتحصن فيه البرتغاليون وهو الحصن المشهور بساحل البحر بناه الأتراك عندما قدموا إلى صحار سنة 1032هـ (بحسب ما ورد في الرسالة)، نجد في الكتاب أنَّ الإمام قد أخذ حصن صحار على فترتين؛ فالفترة الأولى كانت في يوم رابع من شهر رمضان 1053هـ ثم المرة الأخرى يوم الاثنين وأربعة وعشرين من شهر رمضان سنة 1053هـ.

تعليق عبر الفيس بوك