المؤسسات العامة والمنظومة الاستثمارية

سَيْف المعمري

في ظلِّ الأوضاع الاقتصادية التي يشهدها العالم بشكل عام ومنطقة الخليج العربي والسلطنة بشكل خاص؛ بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط والتقلبات الاقتصادية والأوضاع السياسية التي تشهدها منطقتنا العربية، تضاعف حجم مسؤوليات الحكومات، وأصبح الوضع ملحًّا لإعادة النظر في مستوى الإنفاق العام، والبحث عن بدائل ناجعة لحفظ التوازن الاقتصادي في دول المنطقة.

والسلطنة حالها كحال دول المنطقة، اتخذت عددًا من التدابير التي من المؤمل أن يكون لها الأثر الفاعل في تقليل حدة انخفاض أسعار النفط، والذي تمثَّل في رفع الدعم عن المحروقات وبدء تطبيقه منتصف يناير الماضي، إضافة إلى الإجراءات الأخرى والمتمثلة في ترشيد الإنفاق العام، ورفع أسعار بعض الخدمات وغيرها.

ورغم أنَّ السلطنة لم تتوقف عن تنفيذ المشاريع الاقتصادية والتنموية والاجتماعية ذات البعد الإستراتيجي -رغم الأوضاع الاقتصادية الراهنة- إلا أنَّ حجم الإنفاق على المؤسسات العامة في السلطنة بحاجة لهيكلة جديدة؛ بحيث تقوم كل المؤسسات بإيجاد منظومة استثمارية داخلية يتم تمويلها من حصتها المقررة في كل خطة تنموية خمسية، ويتم ترجمتها برؤية واضحة إلى مشاريع استثمارية تعود بإيراداتها على المؤسسة وتستطيع من خلالها تقليل حجم الإنفاق من الميزانية للدولة على بعض مصروفات المؤسسات وأحيانا مشاريعها.

فمؤسساتنا العامة من وزارات وهيئات عامة ومجالس ولجان تعيش واقعها الحالي من خلال اعتمادها الوحيد عن ما تقدمه لها الحكومة من مصروفات داخلية على المؤسسة، وكذلك ما تقدمه الحكومة لها لتنفيذ ما هو مناط بها من مشاريع وخدمات، وفي كل عام ومع التوسع العمراني والنمو السكاني يتضاعف حجم المبالغ التي تقدمها الحكومة للمؤسسات العامة في الوقت الذي كان بالإمكان أن تستطيع كل مؤسسة أن يكون عندها مقدار معين من مصروفات إن لم تكن تغطيها معظمها وخاصة الجارية منها.

فمثلا لو افترضنا أن مؤسسة حكومية معينة تقدم لها الحكومة خلال 5 سنوات مبلغًا وقدره 5 مليارات ريال عُماني لتنفيذ مشاريع وبرامج المؤسسة حسب اختصاصاتها، وقامتْ المؤسسة -ووفق ضوابط معلومة لدى الحكومة وبنسب مثبته لذلك- باستثمار نصف مليار في مشاريع استثمارية كبناء محطات الوقود أو بناء الفنادق أو الاستراحات أو أقامت المشاريع الترفيهية أو الاستثمار في العقارات أو نحو ذلك بحيث تستفيد المؤسسة من إيراداتها الاستثمارية في مصاريفها ومشاريعها التطويرية أو في الأنشطة التي تقيمها كالندوات والمحاضرات وحتى تكريم الموظفين المجيدين، وتستطيع من خلالها أن تقلل حجم الأموال التي تستنزفها من الميزانية العامة للدولة.

كما يُمكن أن تقوم عدد من المؤسسات الحكومية بفتح حضانات بمقابل مادي بالقرب من المؤسسة والتي يمكن من خلالها أن تشعر موظفات المؤسسة بالاطمئنان على أطفالهن وبقربهن منهم، كما يمكن التقليل من السيارات الحكومية لكل مؤسسة إلا في حالات وخدمات معينة؛ فيمكن أن يصرف بدل نقل للمسؤول المستحق للسيارة وبطاقة وقود، وليقلل على المؤسسة مصاريف الصيانة والاستبدال والاستهلاك.

ويُمكن أن تقوم الحكومة بمنح حق الانتفاع بالأراضي التجارية والصناعية والزراعية والسياحية للمواطنين والمستثمرين، خاصة تلك الأراضي التي تكون على جانبي الطرق السريعة كطريق الباطنة السريع وطريق حفيت-عبري-نزوى وطريق أدم-ثمريت وطريق بدبد-صور وطريق قريات-صور؛ بحيث يكون المجال متاحا للجادين في أنشاء المشاريع التي تسهم في رفد الاقتصاد العماني وتعمل على تهيئة مناخ ملائم لتوظيف الكوادر البشرية العمانية؛ بحيث لا يقتصر حق الانتفاع بالأراضي في المواقع العامة على أصحاب المؤسسات الكبيرة، بل تكون كذلك لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

لذا؛ يُمكن أن تكون المرحلة الحالية التي يمر بها الاقتصاد العماني منعطفا لتصحيح المسار نحو بناء اقتصاد قائم على الشراكة بين المواطن والحكومة، وأن يكون هناك تكافؤ في الفرص الممنوحة للجادين في الاستثمار والعمل، وأن تتكاتف جميع الجهات لتحقيق غاية مشتركة منطلقها بناء اقتصاد يستطيع التأقلم مع التحديات الاقتصادية المحيطة به، ولتتواكب تلك التوجهات الحكومية مع الخطط الاستراتيجية طويلة المدى.. دمتم ودامت عُمان بخير!

Saif5900@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة