خبراء: الوضع الحالي لميزانية الدولة "غير قابل للاستدامة".. والرواتب ومصروفات النفط والغاز تلتهم 90% من الإيرادات

خلال الجلسة الحوارية الثالثة بمجلس الشورى

< مسن: جهود حثيثة لـ"الشورى" لتدارس تداعيات تراجع النفط دون المساس بالمواطن

< الشنفري: التوقعات الاقتصادية تشير للتحسن التدريجي في المالية العامة عام 2017

< الرئيسي: احتياطات "المركزي" حاليا تغطي 4 أشهر من الواردات فقط

< 20 مليار ريال عجزا متوقعا في الميزانية العامة بحلول 2020

< "الخمسية التاسعة" تفترض 55 دولارا لسعر برميل النفط بإجمالي إيرادات 51.1 مليار ريال

< التوقعات الاقتصادية تحذر من "فقدان السيطرة" على العجز المالي وتراجع الإيرادات

< السوق المصرفي يواجه تقلصا في السيولة مع زيادة الاقتراض الحكومي المحلي

< مطالب بوضع حلول جذرية وعدم الاكتفاء بالحديث عن تفاقم المشكلة وتداعياتها المستقبلية

نظَّم مجلسُ الشورى جلسته الحوارية الثالثة خلال دور الانعقاد السنوي الأول(2015-2016)، بعنوان "السياسات الاقتصادية الكلية لمواجهة انخفاض أسعار النفط"، وحضر الجلسة سعادة خالد بن هلال المعولي رئيس المجلس وأصحاب السعادة نواب الرئيس، وعدد من أصحاب أعضاء المجلس، ومجموعة من الحضور من المواطنين.

واستضافتْ الجلسة-التي أدارها سعادة صالح بن سعيد مسن رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى- عددا من الأكاديميين بجامعة السلطان قابوس، وعلي بن حمدان الرئيسينائب الرئيس التنفيذي للبنك المركزي للإشراف المصرفي.وناقشت الجلسة محورين مهمين؛ أولهما: السياسات المالية؛ وتم خلاله طرح مجموعة من الخيارات المتاحة لزيادة الإيرادات غير النفطية، والخيارات المتاحة لتخفيض الإنفاق العام،والإلغاء الكلي أو الجزئي لدعم المحروقات والكهرباءوالمياه، وخيارات تمويل العجز.بجانب المحور المتعلق بالسياسات النقدية، خاصة فيما يتعلق بموضوع ربط سعر صرف الريال العماني بالدولار الأمريكي، والسياسات العامة للإقراض، والسياسات المتعلقة بمعدلات أسعار الفائدة.

الرُّؤية - أحمد الجهوري

وقدَّم سعادة صالح بن سعيد مسن رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بالمجلس -مدير الجلسة- كلمة؛ أشار خلالها إلى أنَّ انخفاض أسعار النفط وما يترتب عليه من تداعيات اقتصادية ومالية واجتماعية، دفع بالدول المعتمدة في إيراداتها العامة وبنسبة كبيرة على النفط، إلى اتخاذ الإجراءات والوسائل التي من شأنها التخفيف من آثار هذه الأزمة. وقال إنَّ مساهمة القطاع النفطي في السلطنة تمثل نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وما يزيد على 70% من الإيرادات العامة، وما يصل لحوالي 80% من عائدات البلاد من النقد الأجنبي المحصل من الصادرات عمانية المنشأ. وأوضح أن ثمة اهتمامًا -سواء من الحكومة أو من مجلس عمان أو مؤسسات المجتمع المدني- ظهر لإيجاد الحلول والآليات التي من شأنها الخروج من هذه الأزمة بأقل الأضرار، وبما أنَّ مجلس الشورى يمثل قضايا وآراء واهتمامات المواطنين، فإن أزمة انخفاض الأسعار العالمية للنفط وتداعياتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية، شكَّلت القضية الأساس في مداولات ومناقشات المجلس خلال الفترة الحالية.

مواجهة الأزمة

وأضاف مسن بأنَّ هذه الجلسة الحوارية تعد استمرارا لنهج المجلس بشكل عام واللجنة الاقتصادية على وجه الخصوص، لدراسة ومناقشة الخيارات المتاحة لمواجهة تداعيات الازمة الاقتصادية والمالية الناجمة من تدهور أسعار النفط. وأشار إلى أنَّ المجلس اتخذ عددا من الإجراءات في هذا الجانب؛ فخلال دراسته لمشروعي الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2016 والخطة الخمسية التاسعة، قام المجلس باستضافة كل من معالي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية، ومعالي الدكتور وزير التجارة والصناعة نائب رئيس المجلس الأعلى للتخطيط، ومعالي الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط. وقال مسن: إن النقاش مع المسؤولين تمحور حول الآليات والبرامج التي من شأنها زيادة الإيرادات غير النفطية من ناحية، وخفض الإنفاق من الناحية الأخرى، بما لا يؤثر سلبا على الخدمات المقدمة للمواطنين، أو يضيف عليهم أعباء مالية، أو يزيد من تكاليف معيشتهم. وأوضح أن مكتب المجلس استضاف خبراء اقتصاديين للبحث في آثار انخفاض أسعار النفط على إيرادات الميزانية العامة للدولة وعلى الاقتصاد الوطني بصفة عامة، والنظر في السياسات والخيارات الممكنة لمواجهة هذه الأزمة والحد من آثارها، كما استضافت اللجنة الاقتصادية والمالية بالمجلس لخبراء اقتصاديين لدراسة الموضوع والخروج بسيناريوهات للتخفيف من حدة تأثير تراجع أسعار النفط على الاقتصاد الوطني.

وبيَّن سعادته أنَّ المجلس شكل لجنة خاصة لدراسة الأوضاع الاقتصادية وتداعياتها المالية على الميزانية العامة للدولة؛ ومن ضمن مهامها: تقييم الإجراءات والوسائل التي تتخذها الحكومة جراء انخفاض أسعار النفط، والسيناريوهات البديلة في حال وصول أسعار النفط إلى مستويات أدنى، ورفع توصياتها خلال ثلاثة أشهر.

الخيارات المتاحة

إلى ذلك، قدَّم الدكتور حاتم بن بخيت الشنفري أكاديمي بجامعة السلطان قابوس، ورقة عمل بعنوان "السياسات المالية لمواجهة انخفاض أسعار النفط"، تناول خلالها الخيارات المتاحة لزيادة الإيرادات غير النفطية والخيارات الممكنة لتخفيض الإنفاق العام بجانب خيارات تمويل العجز. وقال الشنفري: إنَّه من المتوقع أن يستمر انكماش الاقتصاد في العام 2016 بمعدل 7%، ومن ثم يحدث نمو تدريجي بحلول العام 2020، مشيرا إلى أنَّه على مستوى المصروفات توضح التوقعات أنه سيشهد انخفاضا بمعدل 10% في العام 2015، وهذا الرقم قابل للزيادة؛ حيث إنَّ الإغلاقات الأولية تشير إلى 13.7 مليار ريال. وأضاف بأنه من المتوقع كذلك تراجع الإنفاق في العام 2016 بمعدل 13% عن معدله في العام 2015، ومن ثم التحسن التدريجي في نمو المصروفات. أما بالنسبة للعجز، فقد أوضح الشنفري أن العام 2014 لم يسجل عجزا حقيقيا في الاقتصاد العماني، وفي عام 2015 سجل العجز المتوقع -حسب الأرقام التي صدرت حتى الآن- ما يزيد على 5 مليارات ريال. وأضاف أنه إذا نسبنا هذا العجز إلى الناتج القومي فإنه يشكل 19%، أي أعلى بكثير من متوسط العجوزات في الدول الخليجية. وتابع بأنَّه على مدى الخطة الخمسية الحالية وحتى العام 2020، فإنه من المتوقع أن تسجل الميزانيات السنوية عجوزات، مشيرا إلى أنَّ هذه التوقعات مهمة في التعرف على القدرة في استمرارية المصروفات والالتزامات الحكومية؛ سواء كانت جارية أو ستثمارية. وأكد الشنفري أن نسبة العجز عندما تتجاوز رقمين عشريين فإنها تمثل "نسبة خطيرة"، لاسيما إذا ما تراكمت هذه النسب سنة بعد الأخرى. وأوضح الشنفري أنه في العام 2015 ارتفعت نسبة العجز ارتفاعا كبيرا، حيث تشكل هذه النسبة وحدها فقط إجمالي ربع العجز المتوقع بنهاية عام 2020. ويتوقع الشنفري أنه إذا استمر تسجيل العجز سنويا، فسيتم معالجته من خلال التمويل الداخلي والخارجي والمنح والسحب المالي، كما أنه من المحتمل أن يسجل العجز 20 مليار ريال بحلول 2020. وأشار الشنفري إلى أنَّ هذه الارقام تم وضعها بناءً على الخطة الخمسية التاسعة المعتمدة على افتراض أن تكون أسعار النفط في حدود 55 دولارا في المتوسط، أي أنَّ إجمالي الإيرادات سيسجل 51.1 مليار ريال عماني، وأنَّ إجمالي المصروفات سيصل إلى 65.9 مليار ريال، وسيبلغ العجز المتوقع لمدة 5 سنوات نحو 15 مليار ريال عماني.

فقدان السيطرة

وأضافَ الشنفري بأنَّ مثل هذه الأرقام في العجز تنذر بخروج الأمور عن نطاق السيطرة، أو على الأقل عدم استدامة الحلول القائمة، لاسيما مع الزيادة الحادة في كلفة الرواتب؛ إذ إنه في العام 2015 فقط وبحسب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فإنَّ حجم الرواتب قارب الـ6 مليارات ريال عماني، ومع افتراض أنَّ زيادة الرواتب 3% سنويا، فإن كلفة الرواتب في الميزانية العامة ستصل إلى 6.2 مليار ريال عماني هذا العام 2016.

وأوضح الشنفري أنَّ مصروفات إنتاج النفط والغاز تمثل مصروفات جارية ورأسمالية، وهي أساسية لإنتاج النفط والاستمرار والمحافظة على وتيرة الإنتاج الحالية للنفط والغاز، كما أنَّ مثل هذه المصروفات التي تضم الرواتب ومصروفات الإنتاج، مصروفات لا نستطيع حل إشكاليتها بشكل سريع أو التحكم فيها على نحو مرن في الوقت الراهن. وقال الشنفري إنه لو استمرت هذه المصروفات حتى 2020 -وفق المؤشرات الصادرة عن المركز الوطني للاحصاء والمعلومات- فإنَّ إجمالي هذا الإنفاق على الرواتب والأجور وقطاع النفط والغاز؛ سواء كانت مصروفات جارية أو مصروفات استثمارية، استحوذ في 2014 على ما نسبته 61% من إجمالي إيرادات النفط والغاز. وفي العام 2015، ارتفعت إلى 114%، وهذا الرقم سوف حتى العام 2020. وأوضح الشنفري أنَّ هذه الأرقام تعني أنَّ السلطنة ستكون مطالبة بمصروفات على الرواتب وقطاع النفط والغاز أكثر بكثير مما ستحصل عليه في السنوات المقبلة من إجمالي ايرادات النفط والغاز، وما يتبقى من إيرادات لن يتجاوز الـ28%، وفي أفضل الأحوال 30% رغم وجود التزامات أخرى. ويرى الشنفري أنَّ هذا مؤشر مهم جدا يدل على أنَّ الميزانية العامة في وضعها الحالي غير قابلة للاستدامة في ظل الالتزامات الحالية، وأنَّ نسبة المصروفات من رواتب النفط والغاز إلى إجمالي الإيرادات ارتفعت من 52% في العام 2014؛ لتصل إلى 90% في العام 2015، وهذه نسبة هائلة سوف تخلق عجوزات متراكمة مع الوقت.

وتابع الشنفري قائلا: إنَّ السياسات الاقتصادية يجب أن تراعي عملية الاستدامة، وإذا ما كنا نستطيع أن نحافظ على مستوى من الإنفاق يكرس عملية النمو؛ بهدف المساعدة في خلق وظائف جديدة وتوفير حياة كريمة للمواطن. مشيرا إلى أنَّ الوضع الحالي يظهر أن قدرتنا على الاستدامة سوف تكون صعبة للغاية خلال الفترة المقبلة. وأوضح الشنفري أنَّ أيَّ تأخير في معالجة اختلالات الميزانية سوف يكون مكلفا للغاية، سواء فيما مضى أو ما سيأتي في المستقبل.

الاحتياطات الماليَّة

ولفت الدكتور حاتم الشنفري إلى أنَّه من المتوقع تسجيل عجز في العام 2015 يصل إلى 2.5 مليار ريال عماني، وهو رقم زاد بمعدل 101% مقارنة بنهاية العام 2014، مشيرا إلى أنَّ هذا الرقم لا يزال تقديريا؛ إذ إنَّ أغلب الأرقام المتاحة الآن لم تظهر في النشرات الرسمية العجز النهائي. غير أن الشنفري يتوقع بصفة شخصية أن يتم تمويل مليار ريال فقط من العجز عبر المنح والقروض الخارجية والداخلية، فيما سيتم تمويل الباقي الذي لن يقل عن 4 مليارات ريال من خلال الاحتياطيات المالية، حيث يرى أن هذا الإجراء أمر لا مفر منه.

وأوْضَح أنَّه فيما يتعلق بالعام 2016، فمن المتوقع تسجيل عجز آخر بنحو 3 مليارات و300 مليون على افتراض سعر 45 دولارا للبرميل، في حين أن متوسط السعر بنهاية مارس لم يتجاوز 34 دولارا، على الرغم من بلوغ السعر مستوى 45 دولارا الإثنين الماضي في تعاملات بورصة دبي للطاقة. وأكد الشنفري أن أسعار النفط إذا لم تحافظ على زخم الصعود الحالي واستمر الوضع على ما هو عليه من حيث متوسط سعر برميل النفط، فإن ذلك الأمر سيشكل عبئا حقيقيا على ميزانية الدولة.

وأشار الشنفري إلى أنَّ صندوق النقد الدولي سلط الضوء في توصياته الأخيرة على قضية شبكة الأمان الاجتماعي، وإلى وجود برنامج تواصل جيد مع المجتمع، حتى يدرك المواطن حجم التحديات ويستطيع أن يتفاعل معها، بدلا من أن يتحول إلى عقبة في طريق الإصلاح المستقبلي. وشدد الشنفري على أهمية التواصل المجتمعي في مثل هذه القضايا، إذ إن غياب هذا النوع من التواصل ينجم عنه تداعيات غير مرغوبة، داعيا إلى ضرورة إعلان الإجراءات والاحترازات لتقليل الضغط على الفئات الأقل دخلا، بهدف إيجاد نوع من الثقة والفهم المشترك خلال المرحلة المقبلة. ولفت إلى أنَّ مجلس الشؤون المالية والطاقة من المقرر له أن يجتمع في شهر يونيو المقبل، بهدف مراجعة الوضع المالي للدولة، وسيتم عقد هذا الاجتماع والجميع مثقل بالتحديات. وأوضح أن السلطنة مهما حاولت معالجة الأزمة بالايرادات النفطية وحدها، فإنَّ فرص النحاج محدودة للغاية، داعيا إلى ضرورة التعاون لاسيما فيما يتعلق بجدول الرواتب غير القابل للاستدامة على الوضع الحالي.

السياسات النقدية

من جهته، قدَّم علي بن حمدان الرئيسي نائب الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العماني للإشراف المصرفي، ورقة عمل حول السياسات المالية والنقدية والمصرفية؛ ناقش خلالها الوضع الاقتصادي العام للدولة، والسياسة النقدية والمصرفية، وأهم التحديات المالية والمعالجات المقترحة. وقال الرئيسي إن العام 2014 سجل فائضا في موازنات الدول النفطية وبلغ 10% من الناتج الاجمالي، لكن في العام 2015 تحول الفائض إلى عجز بعد انهيار اسعار النفط إثر مجموعة من العوامل الاقتصادية. وأشار إلى أنَّ هذا التراجع أثر على الميزانية العامة للدولة وكذلك ميزان المدفوعات، فضلا عن عرقلة النمو الاقتصادي، الذي بلغ في 2014 -بحسب التقديرات المتاحة- 2.9%، لكنه في العام 2015 بلغ 4.1، ومن المتوقع أن يصل في العام 2016 نحو 1.8%، وهذا الرقم الأخير وفق التوقعات التي أعلنها صندوق النقد الدولي. وأشار الرئيسي إلى عنصر آخر يُسهم بدور بارز في عملية النمو الاقتصادي، ألا وهو نمو القطاعات غير النفطية، موضحا أنَّ العام 2014 شهدت هذه القطاعات نموا بنسبة 6.5%، لكن هذا النمو تراجع في العام 2015 ليصل إلى 4%، فيما من المتوقع أن يسجل في العام 2016 نموا بحوالي 2.5% فقط.

وأضاف الرئيسي بأنَّه وخلال العام 2015، قامت الدولة بتمويل الجزء الأكبر من عجز الميزانية عبر الاقتراض المصرفي من البنوك المحلية، عن طريق إصدار أذون الخزانة أو طرح سندات التنمية أو عن طريق الاقتراض من البنك المركزي. وفيما يتعلق بالدين العام، قال الرئيسي: إنه من المتوقع أن يرتفع خلال السنوات المقبلة في ظل تراكم القروض بوتيرة متسارعة. وبيَّن أنَّ الدين العام بلغ في العام 2015 حوالي 24.7% من الناتج المحلي وفي العام 2016 سوف يصل إلى نحو 34% من الناتج المحلي، ومن المتوقع في العام 2020 أن يصل الدين العام إلى 55.5%، مشيرا إلى خطورة هذا الرقم الكبير جدا، لاسيما إذا استمرت أسعار النفط في التذبذب على الوتيرة الحالية.

وتابع الرئيسي بأَّن سعر الدين مهم جدا، فكلما كان الوضع الاقتصادي الكلي غير مرضٍ، خاصة لدى مؤسسات التمويل أو من قبل مؤسسات التصنيف، زادت تكلفة الدين. مشيرا في هذه النقطة إلى تخفيض التصنيف الائتماني للسلطنة يوم الجمعة الماضي مع السعودية والبحرين، وهو ثالث تخفيض للسلطنة منذ العام 2015. وأوضح أن أحد الأسباب الرئيسية في اعتماد التصنيف هو الكشف عن الخطط المستقبلية، فإذا كان للحكومة برنامج واضح لمعالجة العجز وخطة مبنية على اسس ذات مصداقية معينة، فإن التصنيف سيتغير. وأوضح أن ثمة عاملا آخر مؤثرا وهو القطاع الخارجي، أو ما يسمى بميزان المدفوعات، مشيرا إلى أنَّه خلال السنوات الماضية وتحديدا في عامي 2013 و2014 حققت السلطنة فائضا في الحساب الجاري، بلغ حوالي 10%، لكن مع بداية عام 2015 بدأت السلطنة تسجل عجزا في الحساب الجاري بحوالي 18.7%، وفي العام 2016 من المتوقع أن يصل عجز الحساب الجاري إلى 22.3%، وفي العام 2017 سيبلغ -وفق تقديرات صندوق النقد الدولي- نحو 20%. وأوضح أن العجز في الحساب الجاري سوف يؤثر على احتياطيات البنك المركزي، لأن هذا العجز يتم تغطيته من خلال سحب الحكومة لاحتياطياتها في الصناديق السيادية الموجودة أو أن يبدأ البنك المركزي تغطية هذه العجوزات من خلال الارصدة المتوافرة لديه، موضحا أن احتياطيات البنك المركزي الحالية تغطي حوالي 4 اشهر من الواردات فقط.

الاحتياطي النقدي

وتابع بأنَّ الحكومة تمتلك دولارات من خلال بيع النفط، ومن ثم تقوم الحكومة باستبدال هذه العملات بالريال العماني من البنك المركزي، وهو ما يوفر العملة الأجنبية للبنك المركزي، وفي حالة اقتراض الحكومة من الخارج يتم الاقتراض بالدولار، وهو ما يزيد العملات الأجنبية لدى البنك، لكنه يثقل كاهل الحكومة بمديونية جديدة، وفي حالة اقتراض الحكومة من الداخل واعتمدت على البنوك المحلية، يكون الاقتراض بالعملة المحلية وبذلك يتآكل نسبيا حجم السيولة في السوق المصرفي المحلي.

وأشار الرئيسي إلى أنَّ هناك 3 عوامل أساسية تحدد السياسة المصرفية، وهي سعر الصرف، وإدراة السيولة بالبنوك، وسعر الفائدة. موضحا أنَّه من خلال الدراسات التي قام بها البنك المركزي أو صندوق النقد الدولي، فلا يزال سعر الصرف الحالي -القائم على الارتباط بالدولار الأمريكي- يخدم الاقتصاد العماني على المستوى المتوسط على الأقل، إذ إنَّ معظم الإيرادات الحكومية مقومة بالدولار من خلال بيع النفط والغاز، خاصة في ظل غياب التنوع الاقتصادي الذي يسهم في رفد الخزانة العامة بإيرادات أخرى غير النفط والغاز.

وحول السيولة في السوق، قال الرئيسي: إنَّ الفترة الأخيرة شهدت ضغطا على السيولة؛ نظرا لأنَّ الحكومة بدأت بسحبها من السوق، من خلال إصدار أذون خزانة وكذلك إصدار سندات التنمية واصدار الصكوك. لافتا إلى أنَّ هناك مؤشرات على تقلص السيولة في السوق المصرفي، ويؤكد ذلك حجم الاقتراض بين البنوك، حيث زاد معدل الاقتراض بين البنوك لأجل ليلة واحدة بنسبة فائدة 0.3%، ووصلت حاليا إلى 0.75% وهذه دلالة على ارتفاع معدلات الاقتراض بين المصارف. وشدد الرئيسي على أهمية الحد من الاقتراض الحكومي المحلي، وان يكون التوجه خلال المرحلة المقبلة زيادة الاعتماد على وسائل تمويل خارجية.

وأكَّد الرئيسي أنَّ المؤشرات المصرفية في الوقت الحالي إيجابية. مشيرا على سبيل المثال إلى أنَّ الرسملة وصلت إلى 16.1% وهو معدل أعلى من المطلوب وهو 12%، كما أنَّ نسبة الديون المعدومة تسجل 1.5%، فيما بدأت إعادة جدولة الديون في الارتفاع نسبيا، في ظل الضوابط الجديدة.

وشهدتْ الجلسة مناقشات مستفيضة ومداخلات واستفسارات من الحضور، وتركزت معظمها على أهمية وجود حلول جذرية وعدم الاكتفاء بالحديث عن تفاقم المشكلة وتداعياتها المستقبلية، إضافة للتساؤلات المتكررة عن مصير مخرجات التعليم العالي في السلطنة خلال السنوات المقبلة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية وتداعياتها على خطط التوظيف، فضلا عن خطط الحكومة في عملية الاستثمارات ودور مؤسسات القطاع الخاص في هذا الجانب.

تعليق عبر الفيس بوك