العلاقة التكاملية بين الدولة والمجتمع

عبدالله العليان

حضرتُ، الأسبوع المنصرم، مع العديد من الباحثين والكُتَّاب من الخليج والوطن العربي، المؤتمر السنوي السادس عشر، لمركز الخليج للدارسات، بدولة الإمارات العربية المتحدة، والذي رَعَاه الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة وتنمية المعرفة، والذي حمل هذا العام عنوان "العلاقة بين الدولة والمجتمع"، ولاشك أنَّ اختيار هذا الموضوع ذو دلالة مهمة في مسيرة الأمة العربية في ظل الظروف الراهنة؛ حيث تُعاني الكثير من البلاد العربية بعض التوترات والصراعات لأسباب سياسية وفكرية واجتماعية، والتي يُفترض أن تتكامل وتتعاون لما فيه الوحدة الوطنية، وإقامتها على أسس صحيحة، بحيث تتأسس على أوجه واضحة من التوازن والتفاهم، والتمييز بين ماهية المصلحة العامة والمصالح الخاصة، والتي تصب في النهاية لمصلحة الدولة وفق المواطنة التي يلتقي حولها الجميع في الحقوق والواجبات. وقد أشار راعي المؤتمر الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان -في كلمته الافتتاحية- إلى أهمية هذه العلاقة؛ فقال: "إن العلاقة القوية والناجحة، بين الدولة والمجتمع، هي من وجهة نظري، الأساس المتين، لتحقيق الوحدة الوطنية، والعكس أيضاً هو الصحيح: الوحدة الوطنية، هي الطريق الآمن، إلى علاقة مثمرة، بين الدولة والمجتمع-الوحدة الوطنية، تبدأ بتعريف واضح، للمصالح الوطنية المشتركة، وتنطلق من حرص الجميع، على تحقيق السعادة وجودة الحياة، لكل فرد فــي المجتمع، الوحدة الوطنية، هي السبيل للمواجهة الناجحة، للتغيرات والتطورات الهائلة، في المجتمع والعالم، إنها السبيل إلى مجتمع مدني قادر وناجح، هي السبيل إلى إرساء مبادئ التضامن والتكافل، والعمل المشترك، في ربوع الوطن، إنها المجال الذي تنمو فيه قيادات الدولة والمجتمع، كما أنها الإطار الذي يمكن معه إحداث التوازن المطلوب في العلاقة بين الدولة والمجتمع".

والحقيقة أنَّ هذه الرؤية جديرة بالاهتمام لصياغة علاقة صحيحة وصحية، لإقامة مثل هذه العلاقة التكاملية بين الدولية والمجتمع، فإذا تحققت هذه العلاقة، فإن الكثير من الأفكار المتطرفة والتكفيرية وغيرها من الأفكار، لن تجد لها تلك التبريرات التي تريد إيجاد ثغرة لنشر أفكارها المنحرفة عن جادة الصواب. ومن هذه المنطلقات، فإنَّ التطرف والتكفير والغلو يقتات على بعض المستنقعات والفواصل غير الصحية، أو عدم الحوار والتقارب بين السلطة والمجتمع، وهذا حصل بالفعل في بعض الدول التي لم تقم علاقة صحية في مجتمعاتها، وتعاني -ولا تزال- من مشكلات وتوترات وصراعات كبيرة، أصبح الفكاك منها في غاية الصعوبة؛ لهذا فإنَّ قضية العلاقة بين الدولة والمجتمع، ومنها المجتمع المدني، مهمة وضرورية، وفي غيابها ربما يكثر الهمس والبلبلة، وإثارة قضايا غير صحيحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تمثل خطراً فكريُّا؛ لهذا فإن الأفكار المتطرفة تستفيد من العلاقة المتوترة بين الدولة والمجتمع وتستغلها لإثارة المجتمع لنشر فكرها المنحرف، واستقطاب الشباب، وهذا حصل في العراق، وفي سوريا أيضاً، عندما لم تقم علاقة صحية جيدة بين الدولة وجزء كبير من المجتمع، فإنَّ التطرف والتكفير والغلو، انتشر انتشارَ الرياح في الهشيم كما تقول الأمثال، وأصبح القضاء على التطرف والتكفير كبيراً ومكلفاً، وربما أصبح صعباً كما تدلُّ الوقائع والأحداث التي مرَّت على تنظيم "داعش" في العراق وفي سوريا، والإشكالية أنَّ النظامَ في العراق الذي جاء بعد سقوط الرئيس السابق صدام حسين، الذي كان يُتهم بالقمع والاستبداد والإقصاء، أعاد النظام الذي خلفه أيضاً إلى نفس الممارسات والأساليب، وربما أكثر، وأصبح العراق ما بعد صدام في دوامة لا أول لها ولا آخر، بل إن أنصار النظام الجديد، ثاروا مؤخراً على سياساته التي أصبحت صعبة على الجميع وازدادت المشكلات، والأخطر في ذلك أنه وبعد سقوط النظام السابق في العراق، تم صياغة قانون (اجتثاث البعث)، وتم تسريح عشرات الألوف من الضباط والجنود العراقيين من عملهم -فكيف يعيش هؤلاء؟- وهذه سبَّبت الكثيرَ من المشكلات في العراق، ولا تزال قائمة؛ منها -كما يطرحه الكثير من الباحثين العراقيين، الذين ينطلقون من رؤية وطنية خالصة، وغير أيديولوجية- أنَّ 70% من قوات "داعش" من الجيش العراقي السابق، الذي تم تسريحه بعد احتلال العراق في العام 2003! وهذا ما برز في قوة وصمود "داعش" منذ عامين تقريباً من مهاجمته، ولا يزال يقاتل كما هو، وهذا أمر خطير لاشك في ذلك، ويرى المفكر البحريني علي فخرو "أنَّ عزوف المواطنين عن الانخراط في مؤسسات المجتمع المدني، من القضايا الأخرى التي تعد سبباً من أسباب لبس العلاقة، وهذا العزوف له أسبابه، كتهميش أقلية على الإدارة، وبقائها في مراكز القيادة لسنين طويلة، وعدم تجذر المبادئ الديمقراطية في ثقافة المجتمع العربي وفي مؤسساته الأساسية".

لذلك؛ فإنَّ قيام علاقة قوية وصحيحة بين الدولة والمجتمع، تعدُّ مربط الفرس -كما تقول الأمثال- لصياغة علاقة تكاملية تقول على التفاهم والتعاون، وإقامة مواطنة تجسّد التلاحم والتقارب بينهما بما يعزز هذه العلاقة وينميها.

تعليق عبر الفيس بوك