أوقفوا النزوح الأسبوعي إلى الشمال بإنشاء مناطق حرة

حمد بن سالم العلوي

إنّ الهجرة الجماعية الكبيرة، التي ترافق الإجازات القصيرة باتجاه دول الجوار، أصبحت تمثل ظاهرة مثيرة للاهتمام، ولكنّها ليست عفوية كما يظن البعض، ولا هي سياحية في مجملها، وإلا كيف تحظى بها إماراتي دبي والشارقة، فيكون نصيبهما من هذا النزوح بوزن الفيل وقوة الأسد، ذلك دون بقيّة الإمارات الأخرى، ثم إن بقيّة دول الخليج القريبة نسبياً، ليس لها حظ من هذا النجوع الموسمي إلا اللمم، والتساؤل الذي يطرح نفسه، ألا يسمعُ أو يرى المسؤولون المعنيون بإدارة الاقتصاد، وحتى أمنها الوطني، هذا النزوح الكبير المتكرر؟ وهنا تساءل آخر وهو، كيف يتحمل المواطن العماني، الصبر والانتظار الطويلين على المنافذ البرية بلا ملل؟!! وكيف استجمع كل هذا العزم والهمة، وأدخره إلى يوم تشخص فيه الأبصار باتجاه دبي؟!

لقد سبق لنا أن رأينا، كيف ينفذ صبر المواطن العُماني على شوارعنا المحلية؟ فإذا ما صادفته زحمة بسيطة على الطريق، فإنه يفرُّ منها بلا أدنى صبر، ويقفزُ من على الخط الأصفر، وحتى إلى خارج الشارع العام، متجاوزاً الجميع الواقفين في الطابور الأمامي، ولكنه لا يفعل ذلك في طريقه إلى الشمال؟! أم تُراهم غشيهم نصيب من السعادة التي كُرِّست لها وزارة هناك، فامتد أثرها على إخواننا في طريقهم إلى المنافذ البرية؟! فتناسوا فقدان الصبر الذي أخذ يغزوهم في الأعوام الأخيرة في بلادهم، وذلك على عكس سلوك أبائهم الأوائل، الذين كان الصبر مطيّتهم المطيعة، أيام سِني القسوة والشدة، قبل عام السبعين من القرن الماضي؟! أم الهوى الشمالي له طعم القرنفل، ورائحة الكيذا العطرة، وسيظل شاعر الحي لا يطرب أهله.. كما قال المثل!.

ترى ماذا لو وُضعت هذه الحالة تحت المجهر العلمي، وأُخضعت للدراسة المتخصصة المعمقة؟! واستجلي أمرها من الناس أنفسهم، الذين خاضوا التجربة وما زالوا، ومن ثم وُضعت لها خارطة مسار لمعالجتها، فهل سيستعصي الحل على الدولة .. يا ترى؟! أم سنظل في دائرة المسؤول غير المسؤول، ونبحث عن حلول معلّبة يُوردها (الخواجة) الخبير؟ وهي منتهية الصلاحية، كما تفعل بعض الشركات التي كبرت من غشّنا المتكرر، وما عدنا نتذكر الحديث الشريف - في ظل ضياع أشياء كثيرة - الذي يقول: من غشّنا ليس منا، وحقيقة الأمر، ستظل بعض الحلول تائهة وراء الأبواب الموصدة، والناس تركض وراء سراب مُعلق خلف السحاب؟!!.

كم كان المرء يتمنى أن يُنظر إلى مثل هذا الموضوع، بنظرة جديّة فاحصة، لأنّ هذه الحالة أخذت في التكرار، واكتسبت صفة الاعتياد التلقائي، فكلما أضيف يوم آخر على الإستراحة الأسبوعيّة، رأيت إنّ ثلث السكان تقريباً، قد أزمعوا على الخروج من البلاد، وقد حاول بعض المسؤولين السابقين، الحدّ من هذا السفر الجماعي المتكرر، بطريقة قسرية بدائية، وذلك بوضع بعض العراقيل، لكي يُخيفوا النّاس ويصدونهم بتصرّفهم ذلك عن هذه الهجرة الجماعية.. ولم يُفلحوا في شيء، لأنّهم - وللأسف- يختارون دائماً الطريقة الأسهل في كل مرة، ولكنّها قد أتت بنتائج سلبية، وقد اضطروا - لاحقاً - على إزالتها من جهتنا فقط، إلا أنّها رُسِّخت في الجانب المقابل لدى الجيران، وبالنتيجة ظل العُماني يشعُر أنّ هناك شيئاً مهماً ينقصه، فلذلك قرّر أن يستغل الإجازة للذهاب إلى دبي والشارقة، لكي يبحث عن ذلك الشيء، فيعود مظفراً من رحلته، فيشرح للآخرين عن نجاعتها، فيحضهم عليها، فتبدأ الدائرة في الاتساع بمرور الوقت، ومن فاته هذه المرة، فإنه يستعد للقادمة، والأمر كله اقتصادي مع سوق به وفرة وتنوع.

وقد يتسرّع البعض عندما يظن أنني أدعو إلى وقف الذهاب إلى دبي، ولكن هذا ليس هو المقصود، وإنما الذي أقصده، أن تتاح الفرصة للسياحة وحدها مع قليل من التسوق، ولكن الذي يحدث اليوم، هو العكس، وبذلك لا يكون هناك استمتاع بالإجازة، لأن الذاهب إلى دبي أو الشارقة، فإنّه يُضيّع وقته في التسوق مستغلاً الفرصة، فإذا عاد السائح العُماني من دبي، فتراه مشتر سيارة مستعملة، أو بعض قطع الغيار، أو أدوات صحيّة لبيته الجديد، أو استبدالاً للقديم التالف، أو مشتريا مجموعة أبواب، وكذا كم طن من الحديد، وكم طن من الأسمنت، أو كم طن من السيراميك، ورغم تلك المشقة التي تفرض عليه في الإجازة، إلا إنّه يفوز بفارق كبير في قيمة المشتريات، قد تصل إلى ما نسبته 70% ومثل هذا يجعل الناس أكثر حماساً وصبراً على السفر، أمّا إذا نظرت في المقابل إلى الزائر الخليجي، فتراه يعود إلى وطنه من السلطنة، وهو مُحَمّل بالحلوى العُمانية، وبخور اللِّبان، وبعض المشغولات الفضيّة، وشيء من المنسوجات والفخارية المحليّة، كهدايا وذكريات من رحلته السياحية.

إذن لا نستطيع مطلقاً، أن نلوم هذا المواطن، الهارب بجلده من الغلاء في بلده، حيث بعض التجار لم يجدوا من يردعهم إلى اليوم. إنّ حل مشكلة الناس، وهي مشكلة الوطن الكبرى، يحتاج إلى فريق عمل قوي، تكون وطنيته كالصخر الصلد لا يسيل لعابه لمال الدنيا، ولا يقدّم إلا مخافة الله على كل الاعتبارات، والتفاني في حب الوطن والولاء لجلالة السلطان، قائد البلاد المعظم - حفظه الله ورعاه - وأن يكون هذا الفريق - الذي يحلم به المواطن - ممن صهرتهم سنوات النهضة، وعاصروها وحملوها على راحات أكفهم، فعرفوها وعرفتهم. إنّ هذا سيكون فريقاً فريداً مبدعاً، كما يتصوره كل مخلص، وسيكون هو الذي باستطاعته الحل والربط، أنّه سيُحل كل العقد المزمنة التي أثقلت كاهل الوطن، وأبطأت خُطى التقدم، والإزدهار على أرضه اليانعة بالقطاف، ولكن يقف دون قطافها، الضعف في الوسيلة للوصول إلى الأهداف المرسومة لهم، على صورة في أعلى حائط كبير، يسبقه جرف عميق من البيروقراطية الإدارية.

وهناك فكرة تدور في أذهان الكثير من الناس، فربما تصلح لمشروع وطني كبير، إذا ما وجدت من لديه الرغبة في وضع الحلول، ألا وهي إنشاء مناطق تحويلية حرة، في كل من ولايتي صحار والدقم، بحيث لا تكون هذه الفكرة، كفكرة المناطق الحرة المجربة حالياً، حيث يكثر التهريب والتهرب الضريبي فيها.

إذن، تقوم هذه الفكرة على الآتي: تنشأ مراكز تخزين ضخمة في كل من مينائي صحار والدقم، وتنشأ بجوارها أسواق للعرض والطلب والبيع المباشر، فتعرض نماذج للبضائع المستوردة، أو المصنّعة محلياً، فيتم شراؤها بعد المعاينة عن طريق وسيط في السوق، وعلى ذلك الوسيط أن يوفر البضاعة بسعر السوق الحرة، وذلك على طريقتين، أولهما للبيع المحلي: وتخضع للضريبة الجمركية، يدفعها الوسيط بقيمة مضافة إلى قيمة الشراء، وثانيهما للبيع الخارجي، فتدفع قيمة خدمات التصدير مع قيمة الشراء كذلك، وبهذه الطريقة توفر احتياجات الناس بأسعار تنافسية، ولا تصل البضاعة إلى يد المشتري، إلا بعد الدفع بالطرق المتعارف عليها، فلا يكون هناك مجال للتهريب، أو التحايل على الجمارك..

هذا، والله من وراء القصد.

Safeway.om@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك